عصام الذيفاني

عصام الذيفاني

علي محسن يسعى للعب دور صالح.. كيف ستتخلص السعودية من عبء رجلها المريض؟

Wednesday 24 January 2018 الساعة 06:04 am

آ عصام الذيفاني يخيل للفريق "علي محسن الأحمر" أن القفز للجلوس على المقعد الذي يقع خلف المقود مباشرة في اليمن قد باتت في متناول يده أكثر من أي وقت مضى، فهو يدرك جيداً أن البلد أصبح منهك جراء حالة الحرب الطاحنة التي يعيشها منذ ثلاث سنوات، وأيضاً التحالف بقيادة السعودية في أمس الحاجة لما يسمى "برجل المرحلة" بنكهة تلائمه، لملء الفراغ الذي خلفه رحيل الرئيس علي عبدالله صالح. غير أنه يبدو مجرد "خازوق" كبير، او بالأصح "ثقباً أسود"، لتبديد موارد وجهود التحالف الذي تقوده السعودية، بالنظر الى سجله المهني الحافل بالإخفاقات المتواصلة، أكتسبها على مدى أربعة عقود عمل خلالها اليد اليمنى لـ "صالح". تعد الهزائم المتلاحقة التي تلقاها سابقاً على أيدي "الحوثيين" في حروب صعدة الست، وتعثره حالياً في تحويل الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي السعودي اللامحدود الى مكاسب حقيقة على الأرض، ابرز أخطاءه القاتلة. غير أن فرص "محسن" في ملء الفراغ الذي خلفه رحيل الرئيس "صالح تزداد، كلما افتقد المشاهد السياسي لوجود شخصية كاريزمية، قادرة على قلب المعادلة رأساً على عقب في أوقات قصيرة. فعند أن قتل "صالح" على ايدي مقاتلي الحوثيين في 4 ديسمبر 2017 على ذلك النحو، سارع "محسن" للعودة الى مأرب قادماً من الرياض، حيث تتمركز بعض الوحدات المسلحة الموالية له منذ اندلاع الحرب. وزعم الإعلام المقرب منه أنه بصدد تحريك تسعة الالوية عسكرية لمهمة اقتحام صنعاء من جهة خولان العالية، لكن الاحداث في الأرض لازالت تقول أشياء تناقض ذلك تماماً، فقد أنسحب مسلحي الإصلاح فور سماعهم بمقتل صالح من مناطق كانوا قد سيطروا عليها بمديرية أرحب المحاذية ل نهم، دون قتال مع الحوثيين. وفور هبوط طائرته على مطار مأرب، حاول أن يستثمر الموقف ضمن سياسة التحالف الذي تقوده السعودية، لصب مزيداً من الزيت على الحرائق، والدفع بصنعاء نحو صراع دموي مفتوح، عززها بإخفاقه في اجتذاب قيادات مؤثرة بالمؤتمر الشعبي العام والحرس الجمهوري نحوه، كان يتوقع أنها ستغادر صنعاء تفادياً لأي اصطدام قادماً مع مسلحي مليشيات الحوثيين. رحيل "صالح" حرك مياة الصراع الراكدة من جديد، وشعر "محسن" أخيراً أن هناك ثقباً قد شق جدار الشراكة الصلب بين المؤتمر و"انصار الله"، يعتقد أن بامكانه النفاذ من خلاله الى بهوا السلطة مجددا ، قياساً بالشخصيات التي يجري تداول أسمائها في المشهد حالياً، فأن "محسن" يعد الرجل الأوفر حضا، و لازال بيده الكثير من الاوراق التي تدعم موقفه على الأقل أمام الرياض ولو مؤقتاً، حيث تمنحه دعماً عسكرياً ولوجستيا مفتوحا منذ عقود. أوراق "محسن" يعد "محسن" من أبرز الشخصيات السياسية والاجتماعية والعسكرية التي لازالت تمتلك ارتباطات اجتماعية غائرة داخل المجتمع، تؤهله لتشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين الذين أحكموا سيطرتهم على السلطة بصنعاء، ويسعون حالياً وبشكل حثيث الى السيطرة على ادوات انتاجها، وإعادة رسمها بشكل يحكم قبضتهم على المجتمع لأمدا طويل. فقد سارع الحوثيين عقب مقتل صالح الى الاستيلاء على مقرات حزب المؤتمر الذي لازال يتمتع بتأييد شعبي لافت، و فرض الوصاية السياسية عليه مبكراً، ترافقت مع هجوماً مباشر استهدف القطاعات الاقتصادية الكبيرة ورجال الاعمال، وتشديد قبضتهم الأمنية على ما تبقى من مؤسسات اجتماعية وإعلامية أخرى، عززت من منسوب وتيرة الاحتقان الداخلي، وفسرها البعض أنها استراتيجية دائمه يتبعها الحوثيين لتجذير سلطتهم داخل المجتمع بطريقة تعسفية وعنيفة. آ  ويحظى الفريق “محسنâ€‌ بدعم سعودي مباشر، فالرجل منذ عقود كان ولايزال رجل الرياض الأول في اليمن، ويشغل حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية، بالإضافة الى نائب القائد العام للقوات المسلحة، فضلاً عن علاقات جيدة ووطيدة تربطه مع قطر، ورضى غير مباشر من واشنطن. يعد من أبرز القيادات العسكرية والتنظيمية للاخوان المسلمين منذ أن كان طالباً في الاكاديمية العسكرية بصنعاء نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ويحوز على تأييد غالبية قطاعات وقواعد حزب الاصلاح “الاخوان “. فضلاً عن أنه يمتلك علاقات قوية مع قيادات ووجهات اجتماعية في المرتفعات الجبلية التي تحيط بصنعاء، الأكثر حساسية تجاه الصراع السياسي على السلطة. غير أن استثمار تلك الاوراق بصوره ناجعه، يتطلب لاعباً يمتلك مهارات عالية، يستطيع أن يقلل من انعكاساتها الخطيرة، التي قد تودي بطموحه في تقمص شخصية الرجل “المنقذâ€‌ في الظرف الراهن الى الهاوية مجدداً. آ  عوائق وتحديدات يعرف "محسن" لدى كثيرين بأنه بمثابة “منجمâ€‌ لتوزيع العطايا والحوافز المالية والعقارية والمناصب وحسب، ينفقها لغرض كسب الولاء الشخصي، استنفذته مجموعة صغيره لازالت متحوقلة حوله، وفي الوقت الذي يتهم بأنه وراء قضايا فساد عديدة أضعفت قدرات الوحدات العسكرية الفرعية الذي تحت أمرته، سابقاً الفرقة الأولى مدرع ، وحالياً تطفح سجلات ما يسمى بالجيش الوطني بالاسماء الوهمية المدونة كجنود فعلياً فقط في سجلات المرتبات والنفقات المالية، غير أنهاآ  في الواقع مجرد حبراً على ورق . ورغم أن "محسن" يسعى من خلال ذلك الى مراضاة وكسب ولاءات شخصية معظمها محسوب على حزب الإصلاح او قريبة منه، الا أنها تبديد موارد الجيش المالية وتضعف معنويات مسلحيه في الميدان. وبالنظر الى حجم الانفاق على تحالفاته السياسية والاجتماعية، فقد أثبتت الاحداث الماضية أن تأثيرها محدود في أوساط مجتمعات المرتفعات الجبلية المطوقة على صنعاء، وتلعب دوراً المحرض بطريقة غير مباشرة للقيادات والوجاهات الاجتماعية الأكثر تأثيراُ وفاعلية، وتدفع بها نحو الانحياز الى الجبهة المضادة، في اطار محاولتها للحفاظ على التوازن داخل نظامها الاجتماعي الضيق، وكرد فعل لتدعيم مركز نفوذها، وعدم تعريضها لخطر مراهنات سياسية لا تتحكم بنتائجها.. ويثقل كاهل "الرجل" تركة كبيرة من الأحقاد والعدوات لدى قبائل "حاشد، بكيل" و خولان بن عامر في صعدة، أكتسبها نتيجة تسلطه الحصري على تلك المناطق ضمن توزيع وظائف السلطة داخل نظام صالح فيما قبل 2011، استغلها لتفسيخ تلك الأبنية الاجتماعية لمصلحة تمدد حزب الإصلاح سياسياً ودينياً وعسكرياً. أدت في نهاية المطاف الى جانب فشله المتكرر في أحراز أي نصر لإخضاع الحوثيين على مدى الستة الحروب التي قادها نيابة عن الدولة خلال العقد الماضي وبدعم غير مباشر من السعودية، الى نتائج عكسية أستثمرها الحوثيين لبناء تحالفات اجتماعية وفرت الغطاء السياسي والشعبي والعسكري لاجتياحهم العاصمة صنعاء وبقية محافظات اليمن لاحقاً،، ولازالت تلك العلاقة التحالفية فاعلة حتى الآن، طالما "محسن" باقياً" كلاعباً أساسيا في المشهد. ويشعر الكثير من قيادات المؤتمر الشعبي العام حالياً أن تعاظم نفوذ "محسن" سيعرض فرصها في استعادة دورها السياسي ومكانتها الشعبية مستقبلاً للخطر، فالرجل لازال يطمح في السيطرة على الحزب، او أضعافه خدمة لحزبه “الاصلاحâ€‌، ولا يخفي تلك النوايا. ولوحظ مؤخراً، ظهور شخصيات كانت محسوبة على تيار الاخوان ضمن اطار المؤتمر سابقاً، وغادرته قبل وأثناء احداث 2011، مرتبطة بشكل وثيق بـ"محسن"، تتبني مواقف سياسية تتعارض كلياً مع القيادات الفعلية حالياً للمؤتمر، وتحاول أن تقزم دوره ومكانته، وتزعم أنها لازالت تحتل مناصب رفيعة في الهيكل التنظيمي للحزب. آ  وعند أي منعطف سياسي، يظهر "محسن" أمام وسائل الإعلام ليدعي أنه من أسس المؤتمر صراحة وتلميحاً، وينسب لنفسه التحكم بمفاصله التنظيمية وحركته السياسية، وعلى الرغم ان ذلك مجرد ادعاءات فارغة، يسعى من خلالها لتدعيم موقفه أمام السعودية والامارات، والظهور بمظهر الرجل الأقوى في اليمن أمام الخارج، الا أنه قد ينمي مخاوف لدى قيادات الحزب الحالية تجاه نوايا التحالف نفسه، والتي هي في الأصل موجودة من سابق، مما يدفع بالمؤتمر بالأقتراب أكثر من المربع الذي يقف عليه "الحوثيين" حالياً.آ  آ  آ  آ  "الإصلاح" العقبة الكؤد يربظ "محسن" على تحالف هاش عمادة حزب الإصلاح "الاخوان المسلمين"، اذا يشكلون مع القبائل الموالية له جل ما يسمى بالجيش الوطني، الذي يعاني من تضارب في المصالح والاهداف، فهناك جناح كبير داخل ذلك التكوين المسلح يسعى لحرف المعركة عن مسارها، وتحويلها من الزحف نحو صنعاء الى التوجه نحو مناطقها القبلية، على غرار قبائل أرحب، والمسلحين الذين يقودهم هاشم الأحمر. ويعد الانقسام الحالي داخل الإصلاح حول قيادة "محسن" الحزب لمواجهات مباشرة وحاسمة مع الحوثيين، التحدي الرئيسي الذي يجهض مساعيه المعلنة، وهناك تيار سياسي برز مؤخراً داخل “الاصلاحâ€‌ يعارض تلك الخطوة بشدة، يرجح أن بروزه نزولاً عند رغبة قطرية تدعم بقاء سيطرة الحوثيين على اليمن، نكاية بالسعودية والامارات.. فعلى الرغم من أن ذلك التيار يتذرع بمخاوفه من عودة نظام صالح السابق في صورة مغايرة، اذا ما نحج "محسن" في استعادة الدولة لنفسه، فهناك من يعتقد أن تلك المعارضة ناجمة عن سيطرة الرموز الهاشمية المتغلغلة داخل تنظيم "الاخوان"، وتتحكم بمعظم مفاصله التنظيمية وعناصر قوته، و تحول دون وقوع الطرفين في مواجهات حاسمة. آ  "هادي" القشة التي ستقصم ظهر البعير ومن المتوقع، بل والأكيد، أن "هادي" هو من سيضع الحد النهائي لطموح "محسن" حينما يشعر بأنه تقرر أن يلعب الأخير دور الرئيس المفترض على اليمن مستقبلا، و أن نائبه الحالي على وشك أن يقضي على احلامه بالعودة الى صنعاء كرئيساً شرعياً من نافذة التدخل السعودي، فأنه أي "هادي" سيتحول الى الضد، وستكون مساعيه بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير. فيعرف عن "الرئيس" القابع في الرياض منذ ثلاث سنوات بأن قراراته رهينة لانفعالات وأحقاد شخصية، هي من صعدت "محسن" الى كرسي النيابة، وقد تهوي به أيضاً بعيداً عن الأضواء، فمن غير المعقول أن يقف شخص مثل "هادي" مكتوف الأيدي، وهو يرى نائبه يسعى لإزاحته عن كرسي الرئاسة، ويقوض سلطته تمهيداً للجلوس بدلاً عنه، فمن المؤكد أنه سيذل كل ما بوسعه لأزاحه "محسن" عن مراميه. على الأرجح أنه قد يلجا بصورة غير معلنة الى تشكيل تحالف يضم خصوم "محسن" في أطار ما يسمى بمعسكر "الشرعية"، تتولى قوى اليسار "الناصري والاشتراكي" رأس الحربة، لتوفير الغطاء الشعبي والسياسي اللازم للإطاحة بتلك الخطوة، قد تعرض معسكر حلفاء السعودية في الداخل للتبعثر نتيجة الانقسامات الموجودة حاليا حول مناصب السلطة. آ  وتبني الجانب السعودي لـ"محسن" مباشرة سيضائل فرصة نجاحه كثيراً، وتوحد أغلب القوى الفاعلة في الخارطة السياسية والاجتماعية على معارضته، انطلاٍقاً من قاعدة أن تلك الخطوة ستقابل برفض شعبي عارم، فمكانة الرياض باتت في الحضيض، نتيجة فشلها الذريع في الحرب التي أسفرت عن سقوط عشرات الالاف من الضحايا، وتدمير البنية التحتية بواسطة طيرانها، والقضاء على الاقتصاد الوطني الهش.