حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

حصاد "الصرخة" الحوثية يذهب إلى حساب إيران بدون عناء

Tuesday 20 March 2018 الساعة 04:44 pm

الحوثيون يستخدمون المنظور الأمريكي لـ"الإرهاب"، ويستخدمون منظوراً إيرانياً لـ"أمريكا"!
بمعنى أنهم يحدثون عن "الإرهاب" وفقاً للمفهوم الأمريكي للإرهاب وتصنيفاته (يستثنون منه حزب الله وحماس تقريبًا لاعتبارات معينة)، ويعلنون العداء لأمريكا وفقاً للصورة والفكرة التي تقدمها إيران الخميني عن أمريكا.

صحيح أن لدى الحوثيين رواية مختلفة عن نشأة "الإرهاب" وعن الجهات الدولية المفترضة التي تقف وراءه وتوظفه لمصلحتها، وهي رواية تختلط فيها الحقائق بالأساطير، إلا أن هذه الرواية رغم ذلك ليست خاصة بهم بل يشتركون فيها مع إيران وكل من يتحركون في فلكها في المنطقة.
لكن عمليا هناك شبه تطابق بين ما يعرّفونه ويشيرون إليه على أنه ال"إرهاب"، وبين ما تعرّفه أمريكا وتشير إليه على أنه إرهاب.

لم يتمكن الحوثيون من إعادة صياغة وطرح عقيدة العداء لما يسمونها ب"الهيمنة الأمريكية" في الإطار الوطني. مثلا، لم يبذلوا جهدا كبيرا لتسويغ وتفسير موقفهم وسياستهم بمنطق ومفردات المصلحة الوطنية العليا لليمن. ليس لديهم الكثير ليقولونه عندما يواجهون السؤال الكبير التالي: ما هي المنافع التي قد تعود على اليمنيين جميعا من وراء هذه السياسة؟ وما هو الضرر الذي سيدفعونه عن الكيان اليمني بفضل هذه السياسة، وما هي الاعتبارات الوطنية التي بمقتضاها أعلنت هذه السياسة؟

ببساطة، لا تزال مسألة العداء لأمريكا تُطرح على أنها ليست شأنا خاصا باليمن كدولة مستقلة بل اليمن بما هو جزء من "الأمة الإسلامية" كمجال سياسي واسع ومتخيل وعابر لحدود الدول المرسومة على الخريطة. وهذه الصيغة الفوق وطنية هي نفسها صيغة الثورة الإسلامية الإيرانية ومن على شاكلتها من جماعات وكيانات الإسلام السياسي.
في هذه المسألة وفي مسائل أخرى لا يفعل الحوثيون شيئا سوى استنساخ الرؤية الإيرانية مع توليفة من عناصر خطابية متداولة لدى جماعات اسلاموية أخرى.

لهذا السبب فإن ‏"الحصاد" السياسي لـ"الصرخة" يذهب إلى حساب إيران بشكل صافٍ ودون عناء، وليس لليمن منها شيء. إيران توظف سائر المظاهر والرموز المسيسة المقتبسة من نموذجها "الثوري" لتقوية مركزها الدولي.
يختلف الأمر، بالطبع، عندما تقرر -وأنت لا تزال مجرد فصيل مسلح في أقاصي الشمال- الدوران في فلك إيران واستعارة بعض لافتاتها ورموزها السياسية، وبين أن تفعل ذلك بعد أن تزحف بالسلاح على العاصمة وتسيطر على مركز الدولة.
هنا يصبح للأمر معنى آخر، أي أنك في الحالة الأولى كنت تتصرف بموجب حساباتك ومصالحك كجماعة في إطار السعي لتحقيق أهداف سياسية خاصة، أما في الحالة الثانية فإن أول سؤال يجب أن يتبادر إلى ذهنك هو: هل تملك الشرعية والقدرة الكافيتين لانتزاع اليمن كدولة وشعب من موقعه الذي كان بالنسبة للعالم وبالنسبة لمحيطه الإقليمي والانتقال به إلى محور إيران الجيوسياسي؟
هل أعددت العدة لمواجهة العواقب والمضاعفات الناجمة عن محاولة تعميم سياستك وارتباطاتك الخارجية وحساباتك الخاصة وإيديولوجيتك كجماعة على بلد كامل، والناجمة عن محاولة اتخاذ عقيدتك السياسية قاعدة لسلوكك وخطابك تجاه الخارج زاعما بأنها تعبر عن إرادة ورغبة الشعب اليمني وأنها تخدم مصالحه العليا وتتفق مع طموحاته؟
من السهل إثبات أن الحوثيين لم يكن لديهم برنامج سياسي محلي الطابع ولا عقيدة سياسية تفصيلية بشأن قضايا ومجريات الأمور في الإطار الوطني، بل انطلقوا في سعيهم لتحقيق النفوذ من البرنامج السياسي للثورة الإسلامية الإيرانية التي اعتنقوا بشكل سطحي رسالتها وأهدافها النظرية الشمولية المتجاوزة للحدود الوطنية.
تعريفهم للصراع بأنه مواجهة مع أمريكا لا يصدر عن رؤية يمنية ذات طابع وطني، بل هو ترديد أبله لمقاربة أيديولوجية صممت لخدمة بلد المنشأ.