حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

الإمامة الزيدية والوهابية

Tuesday 17 April 2018 الساعة 04:22 pm

مؤسسة "الإمامة الزيدية" لم تسقط في الستينات إلا بفعل خطاب سياسي وثوري علماني وشبه علماني كان يشكّل في مجمله خليطا يمنيا فريدا من تأثيرات قومية تحررية وعناصر من أيديولوجبات اشتراكية ناصرية أو بعثية وماركسية وإسلام سياسي توفيقي يرمز إليه الشهيد الزبيري على سبيل المثال.

أي أن الأيديولوجية الوهابية السعودية لم تكن، في ذلك الحين، مساهما فاعلا في الشحن الثوري النضالي الموجه ضد نظام آل حميد الدين الكهنوتي، آخر الحكام من أئمة الزيدية (وقد تحولوا في النهاية إلى شكل من الملكية الوراثية).

الذي حدث في الستينات هو العكس تماما. ذلك أن وهابية النظام السعودي لم تكن لتقف حائلا بينه وبين أن يحتشد بكل طاقته وإمكاناته في صف الإمام الزيدي المخلوع محمد البدر على مدى 7 سنوات من الحرب.

صحيح أن الوهابية -بالتآزر أحيانا مع حركة الإخوان المسلمين غالبا- حققت مثل غيرها من الايديولوجيات انتشارا ناعما كبيرا داخل ما تسمى ب "الجغرافيا الزيدية" وفي خارجها أيضا (في عموم اليمن) وبأساليب ومقادير يصعب تحديدها، وأحدثت تغييرات ذات طابع مذهبي طالت جانبا من مظاهر العبادات والطقوس الدينية والاعتقادات، إلا أن ثورة 26 سبتمبر 1962 بخطابها وفكرها السياسي الوطني تظل هي الفعل الحاسم في تحديد مصير "الزيدية السياسية" في صيغتها الإمامية، وطي صفحتها.

وهذا ما يوجب التساؤل عن الغرض الكامن خلف حديث الحوثيين بإفراط عن "الوهابية" وتصويرهم لها كعدو وخطر ماحق يتهددهم، كما لو أنها كانت العائق الأكبر أمام الإمامية؟

إنهم بهذا ينسبون إلى العقيدة الوهابية دورا لا تستحقه، وليست مؤهلة لحمله بحكم طبيعتها الخاصة، فهي في جوهرها تعتقد بمبدأ طاعة ولي الأمر وتحرم الخروج عليه في كل الأحوال.

صحيح أن كثيرا من معتنقي الوهابية، أو المتأثرين بأفكارها المتشددة من اليمنيين، يشاركون حاليا في قتال الحوثيين، لكن المؤكد أنهم يفعلون ذلك من منطلق ديني طائفي محض لا علاقة له أبدا بمبادئ الوطنية اليمنية وقيم الجمهورية ولا بفكرة حق الشعب في حكم نفسه بنفسه وحقه في الحرية والمشاركة والعدالة والأمن والمواطنة المتساوية والكرامة.

أي أن هؤلاء في المحصلة يتحركون من نفس المنطلق تقريبا الذي ينطلق منه الحوثيون في تحركهم العام وفي تبرير أنفسهم ونشاطهم وفي اختيار سياساتهم ومفردات وعناصر خطابهم وأساليبهم في العمل.

ولأنهم يتحركون من هذا المنطلق، فإن النتيجة لن تكون أبدا إنقاذ الجمهورية اليمنية ولا وضع حد للنزعات الإمامية بل ستكون فقط تقوية منطق الحركة الإمامية الجديدة وإطالة عمرها في نطاق معيّن من البلاد على الأقل، وتغذيتها بالأوهام والحوافز، وذلك من خلال إنتاج واقع وشروط اجتماعية وسياسية تتناسب مع الشكل الذي أعد الحوثيون أنفسهم وفقا له.

إذا كانت الوهابية خطرة، وهي بالفعل رؤية دينية متشددة تنطوي على جوانب مهيجة للتطرف والإرهاب المزعزع للاستقرار خارج بلد المنشأ وداخله، إلا أن خطرها ليس من النوع الذي يهدد طموحات جماعة تسعى (كما يبدو) لإحياء نظرية لاهوتية متخلفة للحكم على ركام بلد أجمعت الآفات كلها على تحطيمه ودفن أحلامه في مهدها.