حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

تجربة صالح الوطنية وارتباك معارضيه

Monday 14 May 2018 الساعة 10:58 am

أين تكمن عظمة ملوك يمنيين مثل كرب إل وتر أو ذمار علي أو أسعد الكامل أو الهميسع أو ذو نواس أو سيف بن ذي يزن؟ 
الوطنيون اليمنيون يميلون إلى استحضار أسماء هؤلاء الأبطال والرموز التاريخيين بنوع من التمجيد والتعظيم والزهو الوطني. 
لكن ماذا لو سألناهم هذا السؤال: 
ما الذي تمجدونه في هؤلاء؟ 
إنهم يمجّدون غزواتهم التي قاموا بها لتكوين ممالك عظيمة، ويمجّدون حروبهم لقمع التمردات وسحق المنافسين، ويمجّدون سياساتهم للحفاظ على كيان دولهم في وجه الأطماع الخارجية.

المفارقة أن معظم المعايير والحجج والاعتبارات، التي على أساسها استحقت هذه الشخصيات التاريخية التمجيد، هي نفسها التي على أساسها راح هؤلاء "الوطنيون" يبخسون تجربة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ويحطّون بموجبها من مكانته وموقعه بالنسبة للتاريخ اليمني قديمه وحديثه.

تم إدانة جوانب كثيرة من تاريخ صالح السياسي، بما في ذلك الأفعال والمآثر التي جعلت ملوك العصور الغابرة محل تكريم ومباهاة بالنسبة لهؤلاء الوطنيين المتأخرين. 
على سبيل المثال، أصبحت حرب الرئيس الراحل من أجل وحدة الكيان الوطني في نظر معارضيه "غزوا مذموما"، وحملاته ضد التمردات المسلحة وصفت بأنها طغيان.. وهكذا! 
هل ينبغي أن تمضي على الرجل ألفا سنة لكي يُنظَر إلى تجربته ويُحكَم عليها من زاوية وطنية كلية؟
مثلا، من يهتم بما إن كان "الهميسع" ديمقراطيا أو أسعد الكامل نزيها وعصريا؟ هذا إن كانوا قد وجِدوا في التاريخ فعلا كما تصورهم الأساطير. ذلك أن حقيقتهم التاريخية لن تكون مطابقة لما تقوله عنهم الأسطورة والحفريات. 
أما صالح فهو مثال واضح عن حقيقة تاريخية كاملة الطراوة. ليس بالضرورة تمجيده أو تعظيمه بالقياس إلى معايير من أزمنة سحيقة، فهو بتلك المعايير واحد من أعظم ملوك وأبطال اليمن.

فليتم إذن تقييم تجربته وقراءتها والحكم عليها بمعايير حديثة، وبحساسية عصرية، لكن بشرط أن نأخذ في الحسبان معطيات وحقائق الوضع والسياق التاريخي اليمني، وليس في إطار حقائق ومعطيات مستعارة من واقع تاريخي وحضاري مختلف. 
من غير المعقول تقييم تجربته وفقا لنموذج معياري في دولة اسكندنافية، أو باستخدام منطق منظمة دولية لحقوق الانسان!
طيب، فليتم تقييمه حتى بمعاييركم "الواقعية" تجاه أفعال وأحوال القيادات التي جاءت من بعده! 
لاحظوا كيف أن الجميع يطيرون زهوا وفرحا كلما حققوا ولو جزءا بسيطا جدا من تلك الأشياء الكثيرة التي كانوا يجرّمونها بأقوى ما يمكن، أو يشجبونها، أو يقللون من شأنها لمجرد أن صالح هو من قام بها. 
أنظروا وقائع حربهم الكبرى المسنودة بعشر دول بذريعة إعادة "الشرعية".. وانظروا حرب الحوثيين التي تحركها الرغبة في فرض ما يسمى "الولاية". 
خاض صالح حرب 1994 تحت عنوان الشرعية الدستورية، ثم واجه انتفاضة 2011 بنفس العنوان، وبمنطق الدولة واجه تمرد الحوثيين. 
كان صالح في وضع قانوني ودستوري أقل التباسا من وضع المحاربين حاليا باسم "الشرعية" أو المحاربين باسم "الولاية الالهية"، وكان في وضع أخلاقي ووطني أقوى وأوضح وأمتن. 
لاحظوا كيف أنهم يفعلون اليوم -بشكل أفظع وأشنع- كل الأشياء التي كانوا قد دانوا صالح عليها، وبخسوا تجربته بسببها، بل وجردوه من الوطنية.