عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

فصل الدين عن الحياة

Friday 22 June 2018 الساعة 07:18 pm

تسعى العلمانية إلى فصل الدين عن السياسة.. وذلك لحماية الدين من الاستغلال والتحريف والتشويه، والزج به في أطماع السياسة، فالدين وحي إلهي مقدس، بينما السياسة جهد وأفكار بشرية، وحماية كذلك المتدين في حرية تدينه وعقيدته، بعيداً أن يعتدي أحد عليه بسبب تدينه وعقيدته، فتكون النتيجة حماية الدين والتدين، وحماية السياسة والأوطان من الصراعات الدينية وإرهابها، فوصلوا إلى رقي وأمن وسلام وتعايش، وأصبح التدين أمرا شخصيا، بينما القيم أمرا عاما.
فأصبح هنا الدين يحظى بالحماية والقدسية والاحترام، ويؤدي ثماره الحقيقية في تهذيب الفرد.

وتسعى جماعات الاسلام السياسي ، الى استخدم الدين كغطاء لسياساتها وأطماعها ، باستغلال لقداسة الدين ، وتدين الناس واحترامهم للدين ، فتغلف كل الأمراض الفكرية وكل التوحش وكل الأطماع باسم الدين ، وتلهب مشاعر الناس الى استعادة هذا الدين ، فبينما ترفع شعارات الدين والاسلام ، فهي على الواقع اول من يستبيح المحرمات فترتكب جرائم القتل والكذب والخداع.. فأنتجت ارهابا وتشويها للدين ، وخلقت جماعات دينية مختلفة تتصارع في دوائر مغلقة من المتاهات والتعقيدات ، فتطورت الصراعات الدينية ودمرت المجتمع والأوطان ، حتى كاد البعض يحتار في أمر الدين نفسه ، نظرا لحالة التناقضات والصراعات والتشويه والتحريف باسم الدين.

فكانت نتيجة هذا هو فصل الدين عن الحياة ، ومن بدأ بهذا هي جماعات الاسلام السياسي نفسها ، لأنها جعلت الدين شعارا وخانت كل قيم الدين وقيم الانسانية ، في تنظيماتها وصراعاتها وتعاملاتها وخلفياتها الفكرية ، وكل ما تدعي بأنه دين هي مجموعة من افكار فقهاء ورجال دين وطائفيين انتجوا هذه الافكار باجتهادهم الشخصي ، وحسب خلفياتهم المعرفية ، وواقعهم الزمني وطبيعة مرحلتهم ، ونحن الآن في حالة تغير تام مع تلك الظروف وذلك الواقع ،وتسعى الجماعات الدينية بمختلفها الى تقييد العقل عن أي ابداع أو تطوير وعن أي نقد ومراجعات ،لأخطاء وأمراض أصبحت جلية وواضحة ،وهكذا تم فصل الدين عن الحياة وتطوراتها ،وجعل الدين قناعات تراثية متجمدة.

جعل من الفقهاء ورجال الدين ومؤسسي ومنظري الجماعات الاسلامية ، أصناما لايمكن تجاوزهم هو جوهر الأزمة والمشكلة في الفكر الديني ،الذي عزل الدين عن الحياة.

تضع الجماعات الدينية العادية ،قضايا وافكارا ومسائل عادية شكلية وتقليدية، فوق كل القيم الاخلاقية وفوق العقل والمنطق . بينما تضع جماعات الاسلام السياسي اعادة الدين للحياة هدفا لها بطريقة خاطئة ومتطرفة ، متجاهلة طبيعة الدين نفسه ، فهي تقوم على تكفير المجتمعات الاسلامية ، لأنها تريد أن تعيد الاسلام كتشريع الى الحياة ، والاسلام كتشريع هي متطور ومتجدد وغير ثابت او جامد ، فالاحكام والحدود والمعاملات ، لانحتاج الى كتب التراث اليوم التي شرعت لعصرها وماتحمل من اشكاليات ،فالمجالس التشريعية والقانون هي من تضع اليوم القانون والتشريعات التي تحكم المجتمعات ،كما ان الحاجة الى عقل فقهي قادر على مسابقة العصر واكتشاف نظريات جديدة ،وليس الأسلمة والعودة بنا الى الوراء .

تتجاهل جماعات الاسلام السياسي بأن الاسلام كتشريع يحتاج الى عقول كبيرة وعظيمة ،قادرة أن تقوم بجرأة على الاعتراف بالامراض التراثية وتصحيحها ، وانتاج نظريات علمية جديدة ومراجعات جذرية ، فالفقه والتشريع الذي طبقته داعش هو ما تؤمن به كل جماعات الاسلام السياسي وتقول لاتباعها بأن سوف تطبقه بعد أن تبني دولتها ، بالوقت الذي تهاجم داعش وتدعي بأنها مختلفة عنها.

جماعات الاسلام السياسي تتجاهل بأن الاسلام كعقيدة ليس فيه خلاف مع خصومها مع السلطات الوطنية والعلمانيين والليبراليين واليسار بشكل عام.

فالاسلام كعقيدة بتوحيد الله جل في علاه ،أمر ثابت ولاتطور ولا اختلاف فيه ، بخلاف الجانب التشريعي وما يتعلق به من الفقه والخلافات داخل الفقه نفسه وداخل الطوائف المختلفة.. ولذا تسعى جماعات الاسلام السياسي إلى تكفير الآخر المختلفة معه سياسيا أو طائفيا ، وتتبنى طرقا واساليب ملتوية ومخادعة ومتناقضة في التعامل مع الواقع.

كما تتجاهل جماعات الاسلام السياسي ،احترام الدين لكل العقائد والأديان ، وقيام الاسلام بشكل جوهري على حرية العقيدة بكل وضوح "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". وبأن أي دين هو اختيار شخصي وليس اجبارا أو اكراها "لا إكراه في الدين".