عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

نهاية العالم

Monday 25 June 2018 الساعة 04:46 pm

صاحب الكتاب الشهير "نهاية التاريخ" المفكر الياباني -الأمريكي فرانسيس فوكوياما، حين وجهت له السؤال مجلة أمريكية عن مصير تكهناته بنهاية العالم ونهاية التاريخ، كان رده في غاية الذكاء، بأن نهاية العالم ونهاية التاريخ ليس النهاية المادية، وإنما انتهاء الأيديولوجيات..

وبعيداً عن الوقوف عند الأيديولوجيات العالمية وموتها وتحولاتها والتغيرات الفكرية، دعونا نتوفف عند العالم العربي.. فالفكرة تنطبق، بكل دقة، على العالم العربي، فقد انتهت أيديولوجيات اليسار واليمين، أحياناً بطريقة نهائية وحتمية، وحيناً آخر بشكل تدريجي، وتظل أحياناً موت هذه الأيديولوجيا غير واضحة المعالم تماماً، لأن المجتمع العربي متعود على حمل جثث الأموات، وجثث الأفكار الأيديولوجيات، ولكن في الاختبارات الدقيقية والمراحل المفصلية يتضح بأن هذه الأيديولوجيات قد ماتت وشبعت موتاً، ولا يفيد شيئا اعتقاد نخبة وجمهور كبير بعدم موتها، في ظل اعتناقهم لها ومراهناتهم عليها، فالأمر كما حصل في قصة الجن، مع نبي الله سليمان (ما دلهم على موته إلا دآبة الأرض تأكل من سأته فلما خر تبين للجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين)، وهكذا هو الأمر، فلو كان لهذه النخب عقول، ما ظلت أسيرة الافكار الأيديولوجية، التي تجاوزتها الحياة والواقع في ظل تطورات متتالية تشهدها الحياة.

قامت الأيدلوجية بالعالم العربي على أساس الصراع وحسب ، وهذا ما جعلها تنتهي دون إنجازات تذكر ، دون أي تراكم بالوعي الثقافي والسياسي والتجربة بالحركة القومية والوطنية ، بل على العكس تماما فقد أورثنا مجموعة من الاخطاء والاعاقات والتطرفات وهدمت دولا وأوطانا بخطابها وما قدمت بتجاربها السياسية، والتي كانت مكلفة مراحل صعودها، وكذلك مراحل نهايتها ، وما تبقى من آثارها، لأنها قامت على أساس الصراع مع بيئتها الوطنية والعربية ، والعالمية ايضا، وتجاوزت كل الموضوعية والواقعية تحت تأثير الحماس والاخلاص الايدلوجي ، وما حظي به من دعم دولي ، وهذا الأمر ينطبق بداية على أيديولوجية اليسار بشقيها الأممي والقومي ، سواء تلك التي وصلت للحكم وانتهت نهاية مؤلمة ، كالبعث بالعراق ، والتي مازال النهاية تتبلور كالوضع بسوريا ، ودولة جنوب اليمن ، والتي كانت مجرد احزاب لم تصل الى السلطة مثل لبنان ومصر وغيرهم.

أيديولوجية اليمين المتمثلة بالاسلام السياسي ،بشقيه السني والشيعي ،والذي حظي بدعم اقليمي رسمي ،متمثل بإيران وتركيا، ودعم عربي من قطر ، ودعم دولي وغربي متفاوت.. قامت هذه الأيدلوجية بشكل أساسي على وراثة مخلفات أيديولوجية اليسار ، فانضمت اغلب كوادر وقيادات اليسار الى أجندة إيران وأجندة تركيا ، إما في حالة اعتناق كامل واخلاص اكثر من الاعضاء والقيادات الأيدلوجية نفسها ،التي تربت على افكار الإيديولوجية، وإما استمرار التقلب بحالة من المزاجية والتناقض.. وقليلا من اليسار من أنضم الى مسار الحركة الوطنية التي تتجاوز الايدلوجيات وصراعاتها.

هنا تتضح حقيقة موت وانتهاء أيديولوجية اليسار ، وذلك في عودة قيادتها وكوادرها الى النقيض للشعارات التي رفعوها من التحديث والأممية والقومية ، إلى الوقوف بصف جماعات تعمل لصالح افكار طائفية واسلومية عميلة لقوى اقليمية ضد الأمة العربية.

هكذا هي مرحلة موت الأيديولوجيا تشهد حالة من التخبط والتناقض والانحراف بالشعارات، واتضح اكثر للركاكة والضعف الجوهري المتأصل بهذه الأيديولوجيا الذي كان يغطى ويغلف بخطاب قومي وتقدمي بأسلوب إنشائي حماسي وعاطفي لا أكثر.

مثلت أيديولوجية اليسار دائما حالة عداء وصراع مع الخليج ، خصوصا المملكة العربية السعودية ، وهكذا هي ايدلوجية اليمين.. المتمثلة بالاسلام السياسي.. حزب الله ، الحوثيين ، الاخوان ، داعش ، والقاعدة التي كانت قبل هي والسعودية وامريكا بخندق واحد.

تجاوزت السعودية والخليج عموما كل التهديدات والمخاطر السياسية من أيديولوجية اليسار ، وما بنت من أنظمة وسلطات ببعض الدول العربية ، كما تجاوزت أيضا حالة اللمز والسخرية منها بالوهابية والأصولية والرجعية والعميلة لأمريكا.. فتجاوزت الوهابية والأصولية وسارت نحو البناء والتحديث الفكري والسياسي وتجاوزت الافكار السلفية وحققت نهضة شاملة وتعاملت مع أمريكا على اساس المصالح والظروف والواقع ، اقل من أن يكون الأمر ندية تامة ، وأبعد من أن يكون تبعية ، على خلاف من يرفع شعارات والواقع مختلف.

أيضا حاربت الخليج ، التمدد والتواجد اليساري بداخلها ، وبذلك حققت أحد عوامل استقرارها ،كما هو الأمر كذلك في أيديولوجية اليمين المتمثل بالاسلام السياسي خصوصا الاخوان وملحقاتهم ، للاستراتيجية التي قامت بها الإمارات والسعودية ، في مرحلة خطيرة وحساسة جدا، فقدم الملك عبدالله بن سعود-رحمه الله - جهودا متميزة في هذا ، على المستوى الخليجي والعربي ، وواصل المسار ، الأمير محمد بن سلمان ، بحالة من الذكاء والابداع ووضوح الرؤية السياسية.

وبالتالي فإن أيديولوجية الاسلام السياسي اليوم ، والتي وجدت وسيطرت جزئيا لظروف غير صحية ، لاتمتلك مؤهلات البقاء مهما كان ما تحظى به من الدعم ، فلن تسيطع الصمود أمام يقظة وإبداع أغلب دول الخليج التي تعي جيدا المخاطر المحدقة بها وبالأمة العربية من هذا العدو ، وإن الخليج في حالة فتوة وروح شابة مبدعة متوقدة بالأمل والطموح والإصرار بقيادة المحمدين ، الامير محمد بن سلمان، والأمير محمد بن زايد، كأميرين شابين تجاوزا الأيدلوجية إلى آفاق أوسع من الإبداع والنظرة الثاقبة، ويؤمنان بالحداثة وبالأمة العربية.. إضافة إلى مصر ونجاح تجربتها في مواجهة الإخوان.