سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

رماد المؤتمر

Tuesday 26 June 2018 الساعة 06:44 pm

كما انتهت التجربة الديمقراطية اليمنية، رغم عِلّاتها، بتسليم "علي عبدالله صالح"، الرئاسة لنائبه في (فبراير 2012)، عبر تصويت هو أقرب إلى الاستفتاء منه إلى الانتخابات.. انتهى تنظيم "المؤتمر الشعبيّ العام" الذي أسّسه في (24 أغسطس 1982)، بمقتله في (4 ديسمبر 2017)، وتجزأ إلى "ثلاثة" مؤتمرات، قابلة للزيادة، في حال الإصرار على استخدامه لصالح الأطراف المتصارعة.

وكنت أجبت على سؤال للفضائية المصرية في اليوم التالي لرحيل صالح حول "مستقبل المؤتمر"، بأن لا مستقبل له. وإن بقي سيكون في الهامش، كحال الأحزاب التي تمكَّن خصومها من إضعافها أو تفريخها.. 
والسبب؟ 
كان "المؤتمر" كبقية أحزاب العالم الثالث، يستمدّ قوّته وجماهيريته من نفوذ وكاريزما مؤسّسه، لا العكس، واتضح ذلك جلياً بعد محاولة "عبد ربه منصور هادي" الاستيلاء عليه.. تارّة بالترويج في أوساط قيادات المؤتمر بأن رئيس الجمهورية ينبغي أن يكون هو رئيس المؤتمر، مع أنّ هذه التخريجة كانت مقبولة عندما كان المؤتمر حزبًا شموليًّا ينفرد بالسلطة والمعارضة معاً في شمال اليمن، قبل إعلان الوحدة، وانتهى مفعولها بإقرار الحزبية والتعددية السياسية.. 
وتاليًا استعانَتهُ بورقة الشرعية وداعميها في الداخل والخارج.. وانضمام قيادات مؤتمرية إلى صفّه، أبرزهم الدكتور "عبدالكريم الإرياني"، والدكتور "أحمد عبيد بن دغر"، وتوجيهه بتنظيم فعاليات تمنحه رئاسة الحزب، لكنها لم تحظَ بقبول أو تأييد يوازي حجمه ومكانته، سيما وأنّه صار رئيس الجمهورية ومالك الشرعية ومصدرها!

وكانت ردود فعل صالح اللامبالية وعدم تخوّفه من اختراق أو تجزئة حزبه مدهشة للمراقبين، ناهيك عن ثقته المفرطة بجماهير حزبه التي شاهدها العالم مُلتفة من حوله في مهرجانات حاشدة ظل يدعو إليها ويوجهها كما يَشَاء.

المؤتمر: تنظيم براغماتي، يضمّ التكنوقراط والوجاهات بماركة مُسجلة، تحمل اسم وبصمة صالح.. فهو لم يكن أيديولوجيًا ولا متعصبًا.. ويستهويه اصطياد وجذب واستيعاب الكفاءات من كافة الأحزاب. غير مبالٍ باختلافاتهم الفكرية أو السياسية أو المذهبيّة..

لكنّ سُنة الأحزاب المرتبطة بأشخاص أنّها تضعف وتتشظّى.. أو تموت بموتهم، والأسوأ أنَّه في حال التشبّث بها.. تدخل في حيص بيص وتتحول إلى سياط تجلد وتلسع المسيطرين عليها أكثر مما تنفعهم.. بوضع المقارنات بينهم وبين مؤسّسيها الذين قوي الحزب بأعمالهم.. واشتهر بهم..

لنفترض أنّ المؤتمر الشعبي العام قادر على كسر القاعدة هذه المرة، لوجود إجماع على إبقائه فاعلًا والنفخ فيه ليظل حيًّا مؤثرًا. وأنّه سيعود متماسكًا قويًّا كما كان أيام "صالح"، حتى بعد خروجه من السلطة، وعدم استخدامه لإمكانياتها وهيلمانها. 
وهو افتراض على صعوبة تنفيذه يمكن أن يتحقق : إذا أمكن إعادة الروح لأعضائه وجماهيره ذوي الرؤى المختلفة، وأحيانًا المتناقضة، تحت قيادة تحظى بدعمهم .
علاوة على منح أبناء وأسرة زعيمه نفوذًا بما يكفي لاستجلاب واستثمار عواطف وأصوات محبّيه ومؤيّديه.
وقبل ذلك لملمة قيادات الداخل والخارج في بوتقة واحدة، من خلال مؤتمر عام وبالطريقة التى دأب عليها المؤتمر منذ إنشائه. 
وهي ثلاثُ مُستحيلاتٍ، دونها خرط القتاد في الظرف الراهن.. وجمعها مثل جمع الغول والعنقاء والخل الوفي.

على أنّ ذلك، لا يعني البتة عدم وجود قيادات مؤتمرية قويّة ومؤثّرة يمكنها أن تلعب دوراً هاماً في معركة الحرب والسلام.. وبمقدورها تأسيس تنظيم يستلهم تجربة المؤتمر الغنيّة بالفعل والإنجاز، في حال إعادة تفعيل التعددية السياسية.. لأنّ تقلبات الحرب أسهمت أيضًا بإضعاف بقية الأحزاب وعلى رأسها حزب الإصلاح، باعتباره خرج من إبط المؤتمر، ولَم يستطع الفكاك من عُقدة "صالح"، سواء بالاقتيات والنمو من دعمه أو من معارضته.

ومن يُدلّل على بقاء قوّة ونفوذ المؤتمر بتماسك "الحزب الاشتراكي" بعد حرب الانفصال، وخروجه من السلطة، بسبب صلابة أمينه العام السابق "علي صالح عُباد"، فهو يكذب على نفسه ويستغبي مَن حوله، لأنّ "الحزب" كان قد انتهى فعلًا بتهاوي المعسكر الاشتراكي، ورفض قياداته تغيير اسمه، بَلْهَ برامجه وأبجدياته..
وبقائه قوياً لأربع سنوات بعد الوحدة؛ كان بسبب تقاسمه للنفوذ والسلطة مع المؤتمر، وبمجرد خروجه منها، بقي اسماً بمقاعد قليلة في البرلمان لا تليق بتاريخه.. كما تفرّقت قياداته شذرَ مذر..

وانضوائه في تحالف أحزاب اللقاء المشترك زاده ضعفًا.. وإن كان أبقاه حيًّا على الهامش بتنفس صناعي.. 
و بالمقابل رفع من أسهم حزب الإصلاح وأزال عنه وصمة التطرّف، لأنّه "صار يقبل المختلف معه.. وتحالف مع حزب يساري كان يتهمه بالشيوعية".

إذا أراد المؤتمريون الحفاظ على حزبهم كما كان فلا مناص أمامهم من خوض الصعاب وإزالة العقبات التي تجعل المستحيل ممكناً.. أمّا القبول بالارتهان والعمل تحت "الذلة" والوصاية فلا يليق بعظمة وتاريخ الحزب.. 
وأنْ يموت في أوج قوته وشموخه كما تموت الخيل العتاق، خيرٌ له من أن يُمسخ إلى حصان هزيل يمتطيه الفرقاء المتشاكسون.

لننسَ الماضي.. ولنتذكر محاسن موتانا.. وكما أنَّه من الحرام وقلة المروءة الضرب في الميت.. فمن الحمق والبلاهة النفخ في الرماد.