محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

مساجلات مرحلة التّيه.. واللاعب رقم 12

Wednesday 08 August 2018 الساعة 04:26 pm

في أقل من شهر، أظهر الجدل الدائر بين فصيل أو جزء من اليمنيين حجم الوعي الذي يتم التمترس خلفه، الوعي الجاف بما يمكن أن نكون عليه.

صوت من صنعاء وآخر من اسطنبول وثالث من ميونخ، الأمر حتى اللحظة لم يتجاوز نزق الكتابة من أجل الكتابة ذاتها، مع قليل من التكلف واستعراض للأنا، كما يفعل الدولار تماماً.

يتفنن اليمني في تجفيف منابع السلام والمحبة من خلال؛ إما جلد الذات إلى درجة السذاجة، أو شيطنة الآخر وتحميله وزر الماضي والحاضر والمستقبل، أو تناول المشاكل الجوهرية في الصراع بصورة مبتورة ومجتزءة، وكأنه يحدثك عن مشكلة بين "البتول وثوره" بكسر الراء والهاء.

سيعادي اليمني أخاه اليمني لمجرد إبداء رأي في شخص ما، وسيقيم ثورة عليك إذا صارحته بأنك تحب فلانًا الذي يراه من زاويته شبحاً رجيماً وربما يعمل على قتلك.

لا تكمن الإشكالية في الأصوات التي تتجادل اليوم، ولا حتى في صفاتها، هذا وزير، وذاك حقوقي، وتلك طبيب، ولا حتى في توقيت الصراخ، المشكلة في النتائج حيث تبدو كفريق كرة قدم يتنقل بين الهزائم طوال الموسم.

بين هؤلاء يقف المناصرون كدكة احتياط تحاول حفظ ماء الوجه في الدقائق الأخيرة، لكنها تقع في المأزق نفسه، والنتيجة موسم من الركض والتوتر في دائرة مغلقة.

لنترك المجاز ونحاول أن نقترب أكثر، ألا يحق لنا السؤال لماذا يختلف اثنان خرجا من ساحة ثورية متفقين على أنها غيرت الجغرافيا كلها، بل ومتأكدين من أن الحاجة لتلك الثورة، لا تقل عن الحاجة للهواء والماء والرغيف.

خالد الآنسي، الواقع بين جمهور جزء يكيل له المديح، وجزء يكيل له الشتائم، أصبح الأمر لديه مجرد تسلية وكلمات متقاطعة، هو حزين لأن خالد الرويشان يهاجم الحوثيين وهو في صنعاء، ذات الشعور لدى مروان الغفوري تجاه الرويشان، فيما الآخر يبدي امتعاضه من الحملة ويؤكد أنه لن يتفرغ للردود لأنه همه تحرير الجمهورية من الأوغاد.

مثلما رسموا للناس بأن ساحات الثورة قد استقبلت المثقف، والقبيلي الذي ترك سلاحه وأتى، واتّحد العمال مع الأرستقراط، والضباط مع الجنود، والشيخ مع الرعوي، وأن المستقبل باهر، وسيولد من عنق "الدائري"، وأن الرغيف حتماً سيكبر، والراتب سيتضاعف، اليوم يوهمون المتابعين لهم بأنهم يرممون جدران الوطنية، وأعمدة أهداف الثورة التي سعو إليها للخلاص من نظام الديكتاتور، وأنهم بصدد البناء النخبوي، ورد الاعتبار للجمهورية المتلاشية، وقطع أذرع إيران في المنطقة ككل، بل والتنسيق مع ثوار الأحواز لإسقاط نظام خامنئي.

لم يكلف أحد نفسه السؤال لماذا نحن اليوم هنا؟ والإجابة عليه بكل شفافية ووضوح، على الأقل من واقع تصحيح المفاهيم والشعارات التي سارت عليها الثورة أو أنتجها الربيع العربي، وإيصال فكرة أن القراءات الخاطئة، والحركات الارتجالية تكون نتائجها كارثية ووخيمة؛ إذا لم ترتكز على أسس واضحة، وإذا لم يتبعها عمل جاد في حال نجحت وتجاوزت المرحلة الأولى.

اليوم الحالة الإنسانية لليمني المنهك أساساً يرثى لها ولا صعبت حتى على الكافر، وصل حال البعض إلى أنه يموت جوعاً وعطشاً، الدولار يقفز كحيوان الكنغر ومعه تقفز أسعار السلع بشكل جنوني، وتنهار العملة المنهارة أصلاً.

لست هنا بصدد استدعاء الماضي للتبرير أو الدفاع، وإنما محاولة التوقف للسؤال، لماذا نقفز على الواقع؟
لماذا نرحل مشاكلنا دون حل أو على الأقل دون تأمل؟ إلى متى سنظل نحفر في الجدار دون جدوى؟

يبدو أننا لن نأتي حتى متأخرين، ولن نستطيع إيجاز "العُقد" التي أصابتنا للتخلص منها، نحن نخلق عقداً جديدة كل يوم، والساحة السياسية والاجتماعية شاهدة على ذلك.

بدليل أن الفساد تضاعف في بقع الشرعية والمناطق الخاضعة لسلطة الحوثي، وبصورة مخجلة ومخجلة جداً.

اليوم نحن أمام أشكال عديدة من الثأرات، في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى أرض الواقع، أذهاننا تكاد تتصادم فيما بينها لو لا المسافات الافتراضية والواقعية أيضاً.

نحن على أعتاب مرحلة مفخخة باليأس، وملغومة بوهم الاقتراب من الخلاص، أو على الأقل أنه يمكن لنا القفز إلى الجنة، وهذا مستحيل في ظل التباينات والمعطيات، إلا إذا حدثت معجزة وقد ولّى زمن المعجزات.

لذا لن تستقيم الرؤى ما دمنا نسد الفراغات بأعقاب السجائر لوقت الحاجة.