محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

طريق العَبْر مأرب.. اتسع الخَرقُ على الرّاقع أم أنَّ العقل بلا رؤية!

Thursday 16 August 2018 الساعة 06:53 pm

لا تبدو الحياة مفردة لزجة، إلى ذلك الحد الذي يجعل منا لا ندركها، أو لا نتقبلها ونتذمر من مخرجاتها، ولا نستطيع توثيق لحظات الفرح، والعمل على فصلها عن المحطات البائسة.

نحن الأشقياء بالفطرة مَن جعل منها مليئة بكل هذا الزيف، والضجيج، والتوتر، وقلة الحيلة، لأننا نركض دون جدوى، ولا نحسن حتى البكاء على الأطلال.

البلاد أضحت كلها أوجاعاً، وما طريق العبر الدولي إلا مثالاً صارخاً ومدخلاً للحديث والكتابة عن مشاكل جمة.

والسؤال هنا "هل اتسعَ الخرق على الراقِع" أم أنَّ العقل بلا رؤية؟

يجيب "العسكري" بأن معناه. قد زاد الفسادُ حتى فات التلافي، وهو من قولِ ابن "حُمامِ الأَزْديِّ": كالثوب إن أَنهج فيه البِلَى أعيا على ذي الحيلةِ الصانعِ..
كنا نداريه وقد مُزِّقَت واتَّسع الخرقُ على الراقعِ.

لو قدر أن عاد "العسكري" اليوم، وسافر مضطراً مع ابن "حُمام" لأداء مناسك الحج والعمرة بَراً، ومر بكل تلك النِقاط العسكرية، المدججة بالشخوص المتحمسة، والوجوه العابسة، والمتارس المقرفة، والأمل الضائع بين المسافات.

بماذا سيُحدّث نفسه، وماذا سيقول لمن حوله؟ وهو يرى الحُفر وقد مَزقت وجه الاسفلت بوحشية، الحُفر ذاتها التي تسببت بموت العشرات من المسافرين خلال فترة وجيزة.

ربما يخبره أحدهم أننا في مرحلتي "الثورة والجِباية" اللتين تسبقان عملية الإصلاح الشامل، وأن "الثورة الفرنسية" نجحت بعد مائة عام.

وربما يقسم له على ذلك، ويضيف بأن تلك البقع المحفرة، تمنح المسافرين مناعة من التعرض لأي صدمات مستقبلية أو مخاوف مفاجئة، وأنها تعمل على تقوية عظلات القلب، وغظاريف العمود الفقري، وتمنح القفص الصدري مرونة إضافية، في حال تعرض المسافر لأي ضغط من الأسفل للأعلى والعكس.

ثم إن الأعمار بيد الله يا عسكري، والدنيا أخذ وعطاء، وحتى يستمر الأخذ والعطاء على أشده، لابد من استمرار تلك الحُفر والمطبات المفاجئة في الطرق الرئيسية السريعة، ثم كيف سنعرف أن هذه "حياة" إذا لم يقابلها "موت" مأساوي كهذا.

صديقي "بلال" واحد من الذين قضوا نحبهم هنا في خط الموت السريع قبل أقل من عام مع اثنين إلى جواره، لطالما كان يردد دوماً "أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد".

صديقي بلال سبق وأن قُتل أخوه "محمد" في حروب صعدة، وماتت "أخته" تحت وطأة المرض، ثم لحقتها أخت ثانية، ثم أخوه "عبد الله" في حادث سير في الحديدة، وأخوه "عمر" في جبهة البقع قبل عامين، و"أمه" أيضا سبقته بأشهر قليلة بعد أن أرهق الموت قلبها ووجدانها، وتمكن الحزن من عينيها.

الوطن ليس راية ترفرف في نشرات التاسعة، ولا حجرة أساس يتم استغلالها من قبل الكامرات وقت قص الشريط.

ما ذكرته عن صديقي "بلال" وإخوانه وأمه، مجرد نموذج لآلاف الأرواح، التي كان لابد وأن تُزهق في أماكن متفرقة، كي تثبت لهذا الوطن ولتربته تجذُّرها وتضحايتها.

هكذا يتم دفعنا لحب وطن يتقاتل على تحريره "السفراء" في ممرات الفنادق، ويضحون بأغلى ما يملكه الإنسان؛ "ماء الوجه"، كل ذلك من أجل تحرير الوطن، وتصحيح مسار الديبلوماسية المغيبة في العناية المركزة.

يتابع العسكري وابن حُمام رحلتهما إلى مكة، لأداء مناسك الحج والعمرة عبر خط العبر السريع، يتداخل قفصهم الصدري ببعضه، يصابون بارتجاج موقت في الدماغ من شدة قفز الإطارات بين الحفر..

يدركون نعمة السفر قديماً وحديثاً، ثم لا يسعهم إلا ترديد الآية الكريمة: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) صدق الله العظيم.