حميد علوه

حميد علوه

رعونة الإصلاح

Friday 17 August 2018 الساعة 06:59 pm

بتوحش فاحش يتأسد التجمع اليمني للإصلاح -الواجهة السياسية للإخوان المسلمين في اليمن- على بقية القوى والمكونات الاجتماعية، في حالة غرور قوة أفقدته صوابه وحنكته السياسية، خصوصاً بعد أن خلع رداءه السياسي وصار يمتلك قوة عسكرية وجيشاً وسلاحاً ويسيطر على مناطق جغرافية تحت يافطة الجيش الوطني أو قوات الشرعية.

وبرعونة مرتبطة بفكر الجماعة يبرهن الإصلاح، من خلال سلوكه وتصرفاته، بأنه جماعة مليشاوية لم تستوعب من صدمات الماضي وأحداث السنوات الأربع من الحرب.

في مأرب شكلت الجماعة جيشاً ولاؤه لها ولمراكز نفوذها، وأجهزة استخباراتية وأمنية غير مهنية ولا وطنية لا تحترم حقوق المواطنة ولا القوانين واللوائح بقدر احترامها لجماعتها ومسئوليها وتوجيهاتهم، في نسخة سيئة لتجربة الانقلابيين في صنعاء.

لكن الأسوأ في الموضوع، أن الإصلاح يبني مؤسسات خاصة به تحت يافطة الدولة أو الشرعية، وهي مؤسسات حزبية منغلقة تتعامل مع بقية اليمنيين من خارج دائرة الولاء لها كأعداء وإرهابيين ومجرمين. فيما الانقلابيون قناعهم مكشوف والجميع يعرف أنهم مغتصبون للسلطة.

يتفنن نشطاء الإصلاح بتوصيف كل معاركهم بأنها معارك الجيش الوطني أو قوات الأمن، رغم أنها تكون ضد إما فصائل من قوات الشرعية أو فصيل سياسي مؤيد للشرعية أو مكون اجتماعي يبحث عن الدولة خارج نطاق التخندقات الضيقة.

صارت مأرب سجنا كبيرا لكثير من اليمنيين المارين من هذه المنطقة الجغرافية اليمنية؛ بسبب انتماءاتهم المناطقية أو الأسرية وبإجراءات داهسة للنظام والقانون والعرف.

كثير من النشطاء والمواطنين في سجون الجماعة بمأرب، لا لشيء سوى أنه من فصيل مختلف عنها أو انتماؤه الشخصي المناطقي أو الأسري، في محاولة خطيرة لتطييف الصراع الدائر اليوم في بلادنا.

وليس ببعيد عنا جريمة الاعتداء على مشائخ وأعيان من قبائل وايلة ودهم في نقطة الفلج على مدخل مارب وقتل 13 شخصا وإصابة آخرين، في سلوك لا يمت لمؤسسات الدولة أو لأعراف اليمنيين بأي صلة، ولا يمكن توصيفه سوى تصرفات قطاع الطرق.

لم تستطع الجماعة أن تغطي جريمتها فلجأت لاتهام الضحايا بأنهم عبارة عن تجار مخدرات، ومعتدين على النقطة العسكرية، فيما كثير من المواطنين قد لقوا إهانات في هذه النقطة التي تتعامل مع اليمنيين بنفس طائفي.

وصل حزب الإصلاح إلى قناعة بأن قوته التي يمتلكها الآن ولم يستغلها ضد جماعة الحوثي الانقلابية في ظل عدم الرضا الإقليمي والدولي عن هويته الإخوانية المتسترة، لا يمكن أن تحفظ له بقاء وقوة إلا إذا فتح له معارك جانبية تعيق استعادة الدولة وتبقي على نفوذه في بعض المناطق.

وتتجسد رؤية الصلاحيين بتطييف الصراع، وبدا ذلك بوضوح من خلال استهداف إعلامييه ونشطائه للمذهب الزيدي والزيدية، وتعميق مفهوم طائفية الصراع لدى أتباعه المقاتلين الذين يعتبرون الحرب بين سنة وشيعة، إضافة إلى حرب في تعز ضد ما أسمته الإرهاب، في محاولة لتصفية شريك نضاله في مقاومة الحوثي جماعة أبي العباس السلفية.

يلعب الإصلاح بورقة الإرهاب، وهي ورقة خطيرة ستلتهمه في الأخير، وهو يدرك أن نشأته وفكره وهيكلته تستند على أرضية فكر إرهابي وأدوات التنظيمات الإرهابية، ونستغرب ايضا أن يرفع الاصلاح شعار محاربة الارهاب في تعز وهو يدرك أن قيادات من حزبه سبق وصنفت ضمن قوائم الإرهاب بداية بعبد المجيد الزنداني ومحمد المؤيد وغيرهما.

بطبيعة الحال، هي جماعة تمتلك من الحمق ما يكفي لفنائها، فرغم أكثر من ربع قرن على دخولها الميدان السياسي إلا أنها لاتزال جماعة إقصائية لا تقبل بالآخر ولا تريده إلا كديكور وليس شريكا، لدرجة أنها لم تستطع الحفاظ على علاقة جيدة مع شركاء نضالها السياسي لأكثر من عشر سنوات داخل مكون اللقاء المشترك.

فالاشتراكي في نظر الجماعة صار مكونا حوثيا، لا لشيء سوى أنه رفض ارتداء جلباب الجماعة والتحول إلى محلل لها ولنفوذها غير الوطني. والناصري صار إرهابيا ومرتزقا، لا لشيء سوى أنه واجه صلف الجماعة في تعز ويطالب بحضور للدولة وبالقبول بالآخرين كشركاء نضال، فيما تريد الجماعة أن تلتهم المدينة بقوتها العسكرية التي حولت بوصلتها من اتجاه الحوثيين صوب شركاء السلاح ورفقاء الدرب.

التكوين السيكولوجي للجماعة إقصائي ولا يقبل بالآخر ولا بالتعددية ولا بالتسامح الوطني وينطبق عليها شعار "إذا لم تكن معي فأنت ضدي"، حتى صارت غير مقبولة في الجنوب وتدير الفوضى في تعز وعدوا في صنعاء، وخصما في مأرب.
ورغم ذلك لا تقيم الجماعة سلوكها ولا تقبل بالتجديد داخلها لأن هذا التنظيم الإخواني الذي لبس رداء السياسة لربع قرن، لم يكن سوى واجهة لمراكز قوى عسكرية وقبلية ودينية لها علاقات مصيرية بالإرهاب والارهابيين، ولها مصالح كبيرة في السلطة والثروة باليمن.

إن هذه الجماعة لم تمارس العمل السياسي كقناعة ومصير وإنما كوسيلة لا مفر منها لتحقيق أهدافها المستترة، لكن موجة الانفتاح والتطور وسنة التغيير والسيرورة تجاوز مخططاتهم.

وما يجب إدراكه اليوم أن أمام اليمنين تحديات كبيرة أبرزها إنهاء الانقلاب وإنهاء سيطرة الاصلاحيين على مؤسسات الجيش والأمن، والتأسيس لدولة مدنية تستند على جيش وطني وأجهزة وطنية مهنية تعلي مصلحة اليمن على ما سواه.

وفي الوقت الذي ندرك فيه، أن حالة سلطة صنعاء الحالية انقلابية، فإن حالة الإصلاح أيضا حالة مليشاوية ضد فكرة الدولة وتعلي مصلحة الجماعة على مصلحة اليمن، وهذا خطر مستقبلي يجب التنبه له.