محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

الرهان على اليمنيين.. سيُفشِل كل المخططات العبثية "قلعة القاهرة أنموذجاً" (1-2)

Sunday 02 September 2018 الساعة 05:19 pm

برغم كل التباينات التي تسيطر على المشهد العام على الساحة اليمنية، والتي ترتبط ارتباطاً مرتبكاً إما بأيديولوجيا عتيقة، أو أفكار هشة وضيقة، أو بالأطراف التي تتساهل أو تغذي هذا الصراع.

وبرغم إخفاق قيادات الشرعية في إثبات الممكن على أرض الواقع خلال أربعة أعوام، والتصالح مع أحلام الناس وطموحاتهم وأوجاعهم الغائرة، وانشغالها بجمع الأموال والترقيات، بالتوازي مع ارتفاع الدولار وانهيار العملة، واحتكار المنح الدراسية، والحقائب الديبلوماسية، والسفريات، وامتلاك الجوازات الحمراء والخضراء، وكل ذلك يعمل على توسعة الهوة بينهم وبين المواطن من جهة، ومستقبل الوطن من جهة ثانية.

إلا أنني سأكون متفائلاً، رغم كل هذا الوجع الذي كلفنا الكثير ومازال، نتيجة التسهيلات التي منحناها للفوضى وللآخر المتربص، وسأكتب خارج إطار الشرعية "الافتراضية"، حتى لا نفقد الأمل في الخروج من واقع "المليشيا" الرجعية المتخلفة، التي أضحت أداة هدم واضحة، لا يمكن الرهان عليها مطلقاً.

بين مشهدي قلعة القاهرة وجامعة إب، تكمن الحقيقة التي لابد من العمل على تجسيدها بشكل لافت، حتى لا يدون التاريخ وقائع مأزومة؛ هو في غنى عنها، ونحن أيضاً لا نريد أن نكون أسرى لأحداث، تحاول أن تربطنا بماض انهكته الأقلام، وشُيدت من خلاله الكثير من الأوهام.

إن الصراع الدائر في اللحظة الراهنة، يأخذ أشكالاً متعددة، سواءً في الشمال أو في الجنوب، ولنأخذ على سبيل المثال الشمال، أو ما يسمى ب"المركز"، الذي تظهر عدائيته بين فترة وأخرى نتيجة لأمرين أساسيين:

الأول هو وهم الحفاظ على المركز، من خلال مهاجمة الأطراف، أو الفروع، لإخضاع وتقوية المركز نفسه، والخوف من فقدان تلك الأطراف أو جزءًا منها، والتي ظلت خاضعة أو بالأصح مرتبطة بالمركز عبر عقود عديدة، لأن السائد أو المتعارف عليه بأن القوة في الوحدة وليس في التفكك.

ثانياً، الدفاع عن "الزيدية" كمذهب قائم بذاته يكاد أن ينقرض بسبب محاربته أو إهماله، كل ذلك مشروع في نظرهم، لكن الخطأ الفادح الذي اُرتكب للتو، أن الذي تصدى لكل تلك المشاريع والافتراضات وتصدر المشهد، قد ورط المركز؛ من خلال الدفاع عنه تحت مسمى، وفعل، و"مشروع" جديد، لا علاقة له لا بالمركز ولا بالمذهب، ولا يخدمهما أبداً، بدليل الأدوات المستخدمة في الصراع مع الخصوم، واستغلال كامل القوة، والأهداف والغايات التي يسعون إليها ومن خلالها، آخرها (الولاية) كقيمة عليا، وهدف أسمى خارج خارطة الرفع من شأن وقيمة الإنسان ذاته، ووحدة نسيجه وبنيانه.

بالمقابل لا يجب علينا التعامل مع المركز بعنصرية واشمئزاز، ونقد الواقع الذي جبلوا عليه، والموروث الذي يتميزون به مثلهم مثل بقية المناطق، حتى لا نفقد الحجة ونتعامل على أننا عرق منزه، كل الذي يجب علينا فعله هو تقديم الصورة الإيجابية التي ستؤسس لمسار اجتماعي ناجع، انطلاقاً من قاعدة أن للجميع أخطاءً وطباعاً، وتجنباً للظهور بالعنصرية ذاتها التي نشكو منها.

ولا ننسَ ما مثلته صنعاء خلال عقدين من الوحدة على الأقل لهذا الجيل، حيث استوعبت الجميع دون تمييز، إلا ما فرضته بعض الوقائع والأعراف القبلية خارج إطار السلطة والقانون، نتيجة لنفوذ عصبوية ساعد على استمرارها أطراف ضالعة في الحياة السياسية، ارتكزت على موروث يحمل الكثير من السلبية والرجعية والفساد.

إذاً، فإن مشهد قلعة القاهرة، سيتكرر كثيراً في المستقبل القريب، بينما سينحسر المشهد الآخر الذي بدا باهتاً داخل صرح جامعي؛ يدين بالولاء للوطن وللعلم والمعرفة، وحرية الإنسان في التفكير والاعتقاد السوي.

بمعنى أن الذي تقوم به جماعة طائفية، لا يخدم مستقبل هذا البلد ولا مجتمعه، وعلى الجماعات الدينية أن تعي أن مشاهد القتل اليومية، لا يمكن أن تتوقف إلا في ظل وجود دولة قوية بقوة العلم والقانون، دولة لها نظام متصالح مع الفرد والمجتمع، ومركز قوي بقوة التنوع.

إن مشهداً كمشهد قلعة القاهرة سيتكرر بصور مختلفة، وعلى جماعة الحوثي أن تعي ذلك وأن تتحمل مسؤولية ما أحدثت من صراع بين أبناء المجتمع، وعليها أن تتحمل النتائج التي سوف تترتب على المدخلات التي تحاول جاهدة تكريسها، هي ومن يسندها بالمال والإعلام والسلاح ومنحها صفة ثورية.

إن الحقيقة التي لابد من مواجهتها، هي الرؤية التي تسير عليها المعارك والجبهات، وكيفية الذهاب إلى إقامة دولة بعيدة عن المليشاوية، لأن ما يجري في اللحظة الراهنة غير واضح، لكن الأهم من ذلك هو الرهان على اليمنيين أنفسهم، لذا على دول التحالف أن تدرك ذلك قبل أن يقع الجميع في شر الأعمال المبهمة، والصراعات الجانبية.

اليمنيون يستطيعون فرض واقع مُر على الجماعات الطارئة، بشرط إفساح المجال أمامهم للتصالح، واستعادة ما راكموه خلال العقود الماضية من دساتير وعقود، وعلاقات إيجابية، 
ودعمهم من خلال قطع الأذرع المساعدة والمغذية للصراع.

ومنحهم فرصة للحركة والعمل، لأن الاستمرار في خلق الفوضى والصراع وتغذيته، لا يؤسس ليمن موحد، ولا يضمن عدم وصول اللهب إلى دول الجوار بشكل أو بآخر، فهناك صراع إقليمي إقليمي واضح، وتحالفات على أشدها، وصراع اقتصادي وسياسي يجري على قدم وساق، لا يؤمَنُ مكرهما، حيث وإننا في زمن؛ التحولات فيه لا تطرق الأبواب حين تأتي، وإن طرقت باباً فمن أجل أن تفتح للأعاصير والريح السَّموم.