فارس جميل

فارس جميل

"كل دولة ولها وجه".. مشاهد عابرة من صنعاء

Friday 21 September 2018 الساعة 05:53 pm

(1)

كمن يؤدي مهمة مقدسة حرص الرجل الثلاثيني على التأكد من أن جميع ركاب الباص ينصتون إليه وهو يحاضرهم عن أهمية ثورة الإمام الحسين، وعن بني أمية الذين قاتلوا سبط الرسول، وكيف أن ذكرى عاشوراء وحادثة كربلاء تمثل فرصة لاستخلاص الدروس لإقامة الدولة، وأن (ثورة 21 سبتمبر 2014) جاءت على نهج الحسين.

بينما استمع الجميع دون أي ردة فعل، وكثير من اللامبالاة، قفز شاب عشريني يرتدي زيه التقليدي (الثوب والجنبية)، إلى المقعد المجاور لصاحب المحاضرة، وصرخ في وجهه:

"نشتي دولة علمانية مدنية بعيدة عن خرافاتك، شبعتونا كلام، وموتونا جوع".

كانت المفاجأة كبيرة على رجل اعتقد أن جميع الركاب يشاركونه أفكاره، فتأتأ في الكلام للحظات، قبل أن يوجه التهمة للشاب المطالب بالعلمانية بأنه يروج لأفكار اليهود والنصارى، ويتوعده بالعقاب له ولأمثاله.

استمر الشاب في الرد بغضب واضح وصوت مرتفع:

قل لجماعتك لو هم يحبوا الحسين يوفروا البترول، ويرجعوا فلوسنا ورواتبنا، لا تلبسوا عباءة آل البيت من أجل سرقتنا، نحبهم أكثر منكم، ولو عادوا لأعلنوا البراءة منكم، استحوا على أنفسكم.

رفع الحوثي يده ليعتدي على الشاب، إلا أن الأخير كان جاهزاً بنصل جنبيته الذي وجهه للحوثي، لولا أن الركاب فضوا الاشتباك وتوقف الباص للحظات.

غادر الحوثي الباص لاستدعاء أقرب طقم لمحاسبة الشاب الذي تحول فجأة من علماني يروج لأفكار اليهود والنصارى إلى (داعشي) على لسانه، وطلب من السائق الانتظار.

لم يكن قد أكمل حديثه بعد، لكن السائق انطلق بسرعة كبيرة مغادراً المكان، وبعد مسافة قصيرة نصح الشاب بأن ينزل من الباص إلى باص آخر خشية أن يقوموا بملاحقته، وهذا ما حدث.

(2)

في نفس اليوم كانت سيارة تابعة للحوثيين تجوب كليات جامعة صنعاء بمكبرات الصوت، رافعة الصرخة الحوثية، ومقتطفات من محاضرات زعيم الجماعة التي يلقيها منذ أسبوع عصر كل يوم عبر كل وسائل الإعلام من قنوات وإذاعات تابعة للجماعة، وهي المرة الثانية التي يقوم فيها بأداء محاضرات متلفزة بشكل يومي منذ رمضان الماضي وبدء معركة الحديدة.

علق طالب جامعي مر مع زملائه من جوار تلك السيارة المتوقفة عند بوابة الجامعة:

تخيلوا وهو يحاضرنا بالجامعة !!!

فرد زميله: سهل يحاضرنا المهم يخرج من الكهف، ويقع دكتور بدل ما هم جالسين يسموه (سيد)، يقع حتى رئيس جامعة مع ضحكة مرتفعة.

زميلهم الثالث تلفت كثيراً بقلق واضح، وهو يقول بصوت خافت وحازم:

"اسكتوا يلعن عاركم"، مش وقت النقاش هذا، خلوه للبيت لا تودفوا بنا يا كلاب، رد أحدهما "يلعن عاره هو، إيش دخل أمه الجامعة" ثم ضحكوا جميعاً، واستمروا يتهامسون بتعليقات لا يمكن فهمها.

(3)

في جامع الصالح، الجمعة الماضية، حاول الحارس منع إحدى المتسولات من دخول الجامع، وبدون أن تكلف نفسها إقناعه أو التوسل إليه بالسماح لها بالدخول أو حتى الالتفات إليه، استمرت في المشي داخل حوش الجامع، وهي ترد عليه بصوت لا يبدو أنه سمعه، فقد ابتعدت عنه أكثر من قوة صوتها:

أدوا الرواتب حقن أزواجنا، ولا تبصروا لنا صورة، وإلا اسكتوا أشششششش ولا نخس، الله يزيلكم.

داخل حمامات الجامع، كان المصلون يتبادلون الهمس والإشارة إلى علب فارغة مرمية على الأرض، على غير عادة الجامع من النظافة والترتيب الاستثنائيين في السابق، فهمت من أحدهم عبارة واحدة لانخفاض صوته "هذا وجههم، كل دولة ولها وجه".