فارس جميل

فارس جميل

جوع الولاية

Thursday 04 October 2018 الساعة 09:25 pm

لم تكتف جماعة الحوثيين بوقف مرتبات الموظفين اليمنيين لأكثر من عامين، فقد أدت تصرفات مشرفيها الذين ينهبون أغلب المساعدات المقدمة من المنظمات الدولية إلى إعلان منظمة اليونيسف إيقاف صرف معونات الضمان الاجتماعي مؤقتا اعتبارا من الـ3 من أكتوبر الجاري، ويستفيد من هذه المعونات النقدية ملايين اليمنيين، حيث يدفعها البنك الدولي عبر اليونيسف للتخفيف من الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم.

في شوارع صنعاء ترفع مئات اللافتات واللوحات المتجددة بين فترة وأخرى بشعارات ومناسبات الجماعة على أعمدة الإضاءة التي فقدت وظيفتها ونسيت أنوارها وتحولت إلى مجرد روافع للوحات الحوثي.

وفي شوارع صنعاء أيضا وتحت كل لوحة وشعار تتبدد أجساد الجوعى وأحلامهم، فآلاف المتسولين والمتشردين يلقون أجسادهم على الأرصفة نتيجة الإنهاك والمعاناة من الجوع والمرض.

وفي شوارع صنعاء أيضا تتسابق مئات السيارات الحديثة الممتلئة بالأسلحة والقتلة ومرافقيهم وحراسهم من غضب البطون الخاوية، بينما يتحدث الحوثيون عن حصار اليمن من قبل التحالف، وينسون إخبار اليمنيين من أين تدخل هذه السيارات موديل 2018، ومن أين لهم الأموال لشرائها.

في شوارع صنعاء ذاتها تمتد مئات الطوابير اليومية أمام محطات الوقود وسيارات بيع الغاز التي اختفت الأيام الأخيرة بشكل مفاجئ، ووصل سعر أسطوانة الغاز إلى (12000 ريال)، وأصبح سعر الدبة البترول رسميا في محطات صنعاء بـ(11500 ريال)، بينما لا تجد حوثيا واحدا يقف في تلك الطوابير لأن حاجاتهم من الغاز والبترول مؤمنة، والمعاناة من نصيب المواطن وحده.

في شوارع صنعاء تمر سيارات الحوثي بمكبرات الصوت لرفع شعارات الجماعة وخطابات زعيمها، ولا يسمح ليمني برفع صوته أمام آلة الحرب والدمار الحوثية، فقد تم منع كل الفعاليات المدنية الداعية للسلام، ومنع تنفيذ مهرجان الكرامة للأفلام القصيرة بحجة نشر الإعلان عنه مع صورة رجل وزوجته باعتبار ذلك فسادا أخلاقيا، لكن فساد الجماعة لا يمكن أن يرد على لسان قياداتها.

في شوارع صنعاء رفع الحوثيون مؤخرا لوحات جديدة بشعارات عن (ثورة الإمام زيد) كلها تعبر عن الخروج ضد الظلم والجبروت والطغاة، لكن ظلم وجبروت وطغيان الجماعة يتحول في خطابات الجماعة إلى عدل ونصرة للإسلام، ومواجهة للطغيان المجهول الذي ينسبونه لأمريكا وإسرائيل، لتبرير ممارساتهم الأكثر وقاحة وفسادا في تاريخ العالم.

ظهر عبدالملك الحوثي في خطاب جديد قال فيه إنه يخشى على المسجد الأقصى والمسجد النبوي من أمريكا وإسرائيل، وأنه في طريق الأنبياء والعظماء لأنه يواجه طغيانهما، ولم يقل لليمنيين من أين يمكنهم تدبير وجبة أطفالهم القادمة.

يحتاج ملايين اليمنيين لرغيف الخبر، وحبة الدواء، وملابس تقيهم وصغارهم برد الشتاء، فترتفع اللوحات العملاقة في الشوارع وتقول لهم إنهم بأشد الحاجة لمبدأ الولاية "أكثر من أي وقت مضى".

يتحدث اليمنيون عن حقهم في حكم أنفسهم، فيغرد شرف الدين الذي يصف نفسه بـ"مفتي الديار اليمنية"، بأن انقلاب21 سبتمبر (ثورة) أعادت الحق لأهله، وأن ثورة 26 سبتمبر 1962 الخالدة (انقلاب) صادر حق السلالة في الحكم، وينصح أبناء رداع بتسليم آثار تم العثور عليها لعبدالملك الحوثي لأنه (ولي الأمر).

يبحث ملايين التلاميذ في مدارسهم عن حصة مدرسية ومعلم يقف أمامهم دون هم وجبات أطفاله، فتفرض عليهم الجماعة رسوما مدرسية شهرية إجبارية لصرفها بدل مواصلات للمعلمين.

يبحث التلاميذ أنفسهم عن منهج مدرسي يتعلمون منه، فيتابع الحوثيون عبر مسميات مختلفة كالمركز الإعلامي للجماعة، والمجلس الزيدي الإسلامي، نشر عشرات الكتب والمنشورات عن الولاية وكربلاء وعاشوراء، وتوزيع ملازم حسين الحوثي.

سياسة التجويع التي تمارسها الجماعة وتتزامن مع سياسة تكريس مبدأ الولاية وحصر الحكم في عبدالملك الحوثي وسلالته المزعومة، لم تمنع هؤلاء من الاقتتال فيما بينهم، حيث قتلت بسببه العشرات من المتعصبين لكل من عبدالملك الحوثي من جهة، ولعبدالعظيم الحوثي من جهة أخرى، رغم أنهما من نفس الأسرة إلا أن كلا منهما يدعي أحقيته بالولاية، واشتبك أتباعهما قبل أيام كاستمرار لصراع الرجلين منذ سنوات، ما يذكر اليمنيين بخروج إمام على آخر طوال عهد الأئمة، ويكشف لهم طبيعة مستقبلهم إن استمرت فيه هذه الجماعة تتحكم في حياتهم ومستقبلهم.