فارس جميل

فارس جميل

صنعاء.. السلطة والسلطة الموازية

Friday 26 October 2018 الساعة 03:54 pm

اعتقد كثيرون أن اللجان الثورية التي سيطر بها الحوثيون على المؤسسات الحكومية عقب اكتساحهم صنعاء في سبتمبر 2014 كانت من أجل الاستحواذ على القرار في ظل شراكة الجماعة مع حزب المؤتمر الشعبي العام، لكن اللجان استمرت حتى بعد الاتفاق على إلغائها وتشكيل حكومة الانقاذ منتصف 2016.

الحقيقة أن هذه اللجان استمرت حتى أطاحت بالصماد بعد خلافه مع محمد علي الحوثي الرجل المهيمن على القرار حتى الآن، رغم تسمية الصماد والمشاط كرئيسين للمجلس السياسي للجماعة.

مرت هذه اللجان بمراحل تحول لإذابتها في جسد السلطة الرسمية، وتم تعيين رؤساء ما عرفت باللجان الثورية في مناصب رسمية مع استمرار تمكينهم من القرار الأول في كل مؤسسة، فبعضهم تحولوا نواب مدراء، وآخرون وكلاء وزارات، وألغوا بنفوذهم أية سلطة للرجل الأول (شكلياً) فيها.

مؤخراً تم إيجاد معادلة جديدة أو بالأحرى تفعيلها، وهي الهيئات الموازية للوزارات والتي تدار مباشرة من المجلس التنفيذي للحوثيين، كما هو حاصل في وزارات التخطيط والتعليم العالي والإعلام.

يرأس القاسم عباس هيئة موازية لوزارة التخطيط التي تم تعيينه فيها وكيلا للوزارة أيضا، فالهيئة الوطنية لتنسيق جهود الإغاثة أصبحت أخطبوط الحوثيين للسيطرة على كل المعونات والمنح الدولية لليمن، وأصبحت أيضا تمارس مهامَ أمنية في التعامل مع المنظمات الدولية بصنعاء.

ألزمت الهيئة كل المنظمات الدولية بتمرير عقود المشاريع الممنوحة لمنظمات محلية عبرها، ولها حق إقرارها أو إلغائها، وأصبح كل نشاط مدني بصنعاء محظوراً ما لم يحصل على ترخيص من هذه الهيئة.

يوم الخميس تمت مداهمة فندق ميركيور صنعاء بأربعة أطقم مسلحة، واعتقال عشرين صحفيا بتهمة تنفيذ فعالية غير مرخصة نفذتها منصة للإعلام التي يرأسها الزميل عادل عبدالمغني، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، وهدفها الحد من خطاب الكراهية والدعوة للتعايش.

حتى كتابة هذه المادة كان عادل عبدالمغني وزميله أشرف الريفي مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين اليمنيين ما زالا في قبضة جهاز الأمن القومي، بعد الإفراج عن زملائهم الـ18 ظهر الخميس، بعد توقيعهم على تعهدات خاصة.

كان من ضمن المعتقلين أول رئيس لنقابة الصحفيين اليمنيين بعد الوحدة الصحفي الكبير عبدالباري طاهر، قال الأستاذ طاهر لمسؤول الأمن القومي أثناء احتجازه وباقي الزملاء:

أنتم تعملون ضد أنفسكم.

فرد عليه المسؤول الأمني: بطلوا نفاق، كيف تشتونا نتسامح معهم وهم يلطمونا كل يوم؟

هذه إحدى ممارسات هيئة القاسم عباس، التي حظرت عدة أنشطة مدنية متعلقة بالدعوة للسلام والتسامح والتعايش في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها خلال الأشهر الأخيرة.

في وزارة الإعلام تشكلت هيئة موازية للوزارة أيضا، لكن الوزير عبدالسلام جابر كان قد اتخذ إجراء استباقيا وشكل لجنة للإعلام المجتمعي، فتعرض لهجمات شرسة من قبل إعلاميين وناشطين حوثيين.

في وزارة التعليم العالي نفذت دائرة التعليم العالي لجماعة الحوثيين أنشطة متعددة آخرها الندوة العلمية حول عهد الإمام علي لمالك الأشتر، لكنها نفذتها بالاشتراك مع الجامعات الحكومية اليمنية وأعد أساتذة الجامعات أوراق عمل وصل عددها إلى 30 ورقة، بشأن هذا العهد الغامض، واتخذت إجراءات إدارية في عدة محافظات بناء على توصيات هذه الأوراق حتى قبل نشرها.

وتنفذ الدائرة التربوية للحوثيين عدة فعاليات بالغة الخطورة في مدارس البنين والبنات، وظهرت عدة مقاطع فيديو يردد فيها طلاب المدارس قسم الولاء لعبدالملك الحوثي بدلا عن السلام الجمهوري، كما حدث في مدارس بمحافظات صنعاء وذمار وصعدة وعمران.

كل يوم يمضي والحوثيون يسيطرون على مؤسسات الدولة اليمنية يشرعن لحضور ودور الجماعة على الأرض، ويعرض الأجيال اليمنية للخطر والتعصب الطائفي.

الأخطر من ذلك أن المنظمات الدولية الواقعة تحت قبضة وشروط العباس وهيئته، أصبحت تتعامل مع وزارات الحوثي كجهات رسمية، وعندما أعلنت السعودية والإمارات منح اليمن مبلغ (70 مليون دولار) كرواتب للمعلمين في مناطق الحوثي، لم يتم صرف هذه المساعدة عبر البنك المركزي اليمني والحكومة المعترف بها دوليا، بل عبر منظمة اليونيسف التي نسقت بدورها مع يحيى الحوثي وزير التربية والتعليم التابع للجماعة.

وبينما اعتقلت جماعة الحوثيين بمحافظة حجة شابين بتهمة قيامهما بتوزيع معونات غذائية من فاعلي خير بالمحافظة للمواطنين الأكثر فقرا بمديرية أسلم التي اضطر بعض أبنائها لأكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة، رغم تنسيقهما مع السلطات المحلية، كانت حكومة بن حبتور تناقش الإجراءات التنفيذية للمحددات الاقتصادية التي وجهها عبدالملك الحوثي للحكومة، في أمر مشابه للمؤتمر العلمي عن عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر.

هذه الممارسات تتم في ظل صمت المنظمات الدولية بشكل مطبق، لدرجة أن المعهد الوطني الديمقراطي (NDI) لم يصدر مجرد بيان إدانة لمداهمة الجماعة مقره بصنعاء وقيامهم بنهب كل محتوياته بما فيها أجهزة الحاسوب والسيارات ومولدات الكهرباء، ناهيك عن صمتها حيال كل المعتقلين اليمنيين في سجون الحوثيين، في وقت أقامت فيها الدنيا لمقتل جمال خاشقجي مثلا.

من جهة أخرى تضغط الدول الكبرى والمنظمات الدولية لوقف تقدم الجيش الوطني وحراس الجمهورية وألوية العمالقة باتجاه الحديدة، وفي ذات الوقت تثير قضايا فردية باعتبارها سلوكا جماعيا مثل حادثة تدمير المسجد التاريخي بمنطقة الفازة الذي تحول إلى قضية إعلامية، غطت على حملة الاختطافات المكثفة التي نفذتها الجماعة مؤخرا في المناطق التي تسيطر عليها.

ما كل هذا التماهي والتخاطر الذي يشبك خيوط ممارسات الحوثيين مع توجهات منظمات ودول كبرى، وعجز هادي وحكومته عن اتخاذ أي إجراء مضاد على الأقل لتوضيح ما يجري وليس لمواجهته؟!

أسئلة كثيرة متروكة للمستقبل، لكنها أكثر إلحاحاً للإجابة اليوم قبل الغد.