جلال محمد

جلال محمد

حالنا والجماعات الدينية

Monday 29 October 2018 الساعة 10:08 am

قال المفكر العالمي أو كما يسميه البعض أبو الاشتراكية كارل ماركس (الطاغية غايته جعلك فقيراً.... أما كاهنه فمهمته جعل وعيك غائباً).

ولعلنا في اليمن خصوصاً نعيش ذلك واقعاً وحقيقة كل يوم، ولا يخفى على أحد أن معظم قادة الشرق طغاةٌ عتاةٌ، وأن معظم رجال الدين أذيالهم، يمدحونهم كالعبيد، ويرفعون مقامهم بالتوازي مع مقام الله... أما نحن في اليمن فقد استطعنا عمل خلطة خاصة، فأصبح رجل الدين هو السياسي وهو المفتي، وأصبح لدينا في اليمن خصوصاً في صنعاء، من يصبغ الدين بذاته، وله أتباع يسمونه "ابن الرسول" وحاشا لله أن يكون الرسول أباً لأحد منهم أو غيرهم، كما نص القرآن بذلك.

يبدو أن ماركس لم يكن يعتقد أن تجتمع الصفتان في شخص واحد يعد نفسه محور الكون وأساس الصلاح والفلاح، وتراه جماعته مقدساً حتى وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه دنس، ولهو وكذب وبغي، وكما هو معروفٌ أن الطاغي آخر اهتماماته هو الثقافة وتثقيف وتعليم شعبه، وهذا دليل آخر أن الحوثي وجماعته طغاة وكهنة ولننظر لحال التعليم والمعلم في المناطق الواقعة تحت سطوته.

ثانياً، يقال أيضاً إننا نستطيع معرفة الطاغية الكهنوتي من خلال تنصله من مسؤولياته تجاه رعاياه هروبا إلى الوراء لإبقاء الشعب في قاع الفقر، وإغراقه في ظلام الجهل وعتمة التخلف عن عمدٍ ليجر وراءه كقطيعٍ هالكٍ من الجوع، لا يميز اللون الأبيض من الأسود، فيحمل جلاده على كتفيه، وهذا ما يفعله الحوثي بإتقان رهيب، يتنصل من كل المسؤوليات وبوقاحة يطالب العالم الذي يطلب له الموت مساعدة الشعب الواقع تحت سلطته، ليظل هو حاكما دون مسؤوليات، بالإضافة لما تقوم به جماعته من نهب للمؤسسات الحكومية وسطو على مرتبات الموظفين دليل على سياسة التجويع التي يريد بها تحويل الشعب إلى قطيع ووقود لحروبه العبثية.

ثالثاً، تستطيع التعرف على الكهنوت من خلال ما يمتلكه من منظومة دقيقة من الممارسات القمعية ينتهجها المتجبر، لجعل العباد وقوداً لجحيم الفاقة، ويكون شغلهم الشاغل الهرولة وراء لقمة العيش لقنصها بشق النفس، والقبول الاضطراري لجهلٍ يغدو حجاباً يمنع الرؤية السليمة في ظل مجتمعٍ لا يقرأ ليبقى كل شيءٍ على حاله، وينشب مخالبه في مفاصل الحياة كلها.. ومن يعِش في مناطق سيطرة الحوثي يُدرك ذلك تماماً ويشاهد بأم عينه العنجهية والظلم والبلطجة والاختطاف والاعتقال لمجرد كلمه تقال أو تكتب.

إن حالنا بات يُرثى لها، فالألم يقتحم النفوس بدون استئذانٍ، والأرواح سجنٌ للمواجع، أما الوطن فقد أصبح ساحة للحروب الأهلية تارةً، وحروب بالوكالة تارة أخرى، وترويض الخلق على اتقان المذلة وكسر النفوس هو السائد في يمن ما بعد 2011م، وها نحن اليوم نرى كيف يتم إجهاض كل صرخة من أجل الحل، وكيف تُغتصب العزائم، والكرامة تُسحق دعساً، والمشهد السياسي بكل جوانبه كارثي بكل المقاييس على الوطن والمواطن.

الطاغي يضيق الخناق على كل شيء، علماً وتعليماً وثقافة وفكرا وحرية ويكره المثقف إلا الرخيص ليمدحه ويعلوه إلى مرتبة المعصومين، أما المثقف النزيه مصيره إما الركوع، أو يصرخ متألماً، تحيط به هالةٌ من المواجع مدى العمر. هذا إن لم يختف من الوجود للأبد، حتى صرخات الوجع بصوتٍ مسموعٍ محظور. فإما كتم الصوت، أوالهلاك الحتميّ... هذا هو حال صنعاء باختصار.

وكما فعل الإخوان المسلمون عندما حصروا وظيفة الشيخ والمثقف ورجل الدين ورجال الدولة، الموكلة إليهم في تخدير الشعب، وانصياع الخلق للذل والمعاناة، وتزويدهم بجرعاتٍ من أوهام الأمل والرفاهية من كأس المكافآت
الإلهية المزعومة، مضى على ذلك الحوثي وأتباعه وأشياعه، وهنا استحضارٌ آخر لقول ماركس حينما أشار إلى خطورة مفعول المفاهيم الدينية بغياب الوعي الحقيقيِّ عندما قال (الدين أفيون الشعوب)..
ذاك الأفيون تركيزه عالٍ جداً، وفاقدٌ تامٌ لوعي المتعاطي إلى حد الاستهتار بحياته الحقيقية كما حياة الناس والزحف نحوالموت تحت شعار "مع الله" أو كما قال الساحاتيون "مشروع شهيد" وكل يبيع الوهم لأتباعه، مؤكداً لهم أن ما يقومون به هو للوصول إلى جنةٍ ملؤها النكاح والشهوات، وكافة أصناف الملذات التي يطيب بها ذوقه، وتشتهيها نفسه، أو انتصار لمظلومية يجترونها من تاريخ مضى عليها أكثر من 1350 عاما.

أيُّ بؤسٍ وفقرٍ عقليٍ هذا؟! وأية سذاجةٍ تملأ الجمجمة وتعطل الفكر؟!
وأيُّ عشقٍ مجنونٍ للوهم والخيال والسراب، إلى حد الذهول؟!