حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

خطان تاريخيان متعادلان في الاستمرارية: الإمامة ونقيضها

Thursday 01 November 2018 الساعة 10:15 am

▪بعد 4 أعوام من سيطرتها على العاصمة صنعاء، لا تزال نظرية "الإمامة"، التي يفاخر معتنقوها بامتدادها في التاريخ اليمني بعمق يصل إلى ألف عام، تقف حائرة وضعيفة ومرتبكة أمام فكرة وتجربة "الجمهورية"، التي هي من الطراوة بحيث لم تبلغ من العمر الستين عاماً، بل إن الإماميين الجدد راحوا ينتحلون اسم الجمهورية ويحاولون شحنه بحمولتهم الطائفية والمتعارضة معه في الصميم..
وهذا كله ليس بلا مغزى.

عندما يتعلق الأمر بالإمامة، أو شبح "الإمامة"، فإن بوسع الوطنيين التحدث عن تاريخ طويل وحافل بالوقائع التي تدور حول التناقض معها ومدافعتها. بل يمكن القول إنه لا يوجد سجل نضالي وطني، متسلسل ومتعدد الأشكال، ضد أي مؤسسة سياسية أو تنظيم أو جماعة أو فكرة، يضاهي تاريخ المسار المضاد لتطبيقات الإمامة الهادوية.

فإذا ألمح الإماميون الجدد، في اليمن، إلى أنهم يقفون وخلفهم تاريخ عريق يمتد على قرابة ألف سنة من محاولات السيطرة والحكم، فإن بوسع غيرهم من اليمنيين، في المقابل، أن يصرحوا بأنهم، هم أيضا، يقفون وخلفهم ألف عام من التمرد على الإمامة، والثورة على الإمامة، والمقاومة، التي اتخذت أشكالا وأساليب مختلفة، حميدة وغير حميدة

وهذا إنما يؤكد على تلك الثيمة التاريخية الأساسية التي بوسعنا ملاحظتها في صور متكررة من التدافع والجدل بين الخط "الإمامي" من جهة، والخط اليمني المعاكس له من جهة أخرى، والذي سدد أقوى وأحدث ضرباته في 1962، وبفضلها أصبحت كفته هي الراجحة.

على هذا الأساس، يستطيع الوطنيون المناهضون للإمامة أن يتحدثوا، بكثير من الزهو، عن ميراث مديد وخصب يتألف من المغالبة والمجالدة، والخضوع والتحرر، الاستعباد والانعتاق.. حلقات متوالية وجولات صراع كان آخرها ثورة 26 سبتمبر وإعلان الجمهورية.

يحتفظ الإماميون في ثقافتهم بمسرد تاريخي منفصل يحكي نجاحات أسلافهم وإخفاقاتهم، ويروي دورات من التمدد والانكماش، من الخمول والنشاط.. في حين أن لدى اليمنيين، بالمقابل، مسردا تاريخيا موازيا، وذاكرة وطنية غنية بالتجارب التحررية المتنوعة وأنماطا من ردود الفعل الناجحة والملهمة ضد الغزوات والاجتياحات الإمامية وضد كل مساعي الطغيان والهيمنة الكهنوتية.

فإذا أعاد الإماميون وصل ما كان قد انقطع من تاريخهم بفعل ثورة سبتمبر 1962، فإن عملا كهذا يستدعي، بصورة تلقائية، إحياء خبرة اليمنيين وتجاربهم التاريخية في التصدي للإمامة والاستعانة على ذلك بكل الوسائل التي تسعفهم بها الظروف.

وهنا تجد "أسطورة" الألف عام نفسها وجها لوجه أمام "الحقيقة" التاريخية التي مفادها أن اليمن تمكنت، غالبا خلال الجزء الأكبر من الألف عام، أن تحصر الغدة "الإمامية" في جيب صغير في أقصى الشمال من الجسم اليمني الكبير، ولم يكن الجيب ينفتح ويتسع إلا حينما تتهيأ له فترات من الفراغ السياسي وظروف الانقسام.

تبدأ أسطورة الإمامة من اللحظة التي قال فيها (الهادي يحيى بن الحسين) قبل ألف عام: "والله ثلاثمائة وثلاثة عشر مؤمن، لا بل لو كان معي خمسمائة لأن تلك كانت فضيلة لرسول الله (في بدر)، لدُستُ بها اليمن" - سيرة الهادي إلى الحق - علي بن محمد العلوي (ابن عم الهادي).

في المقابل، تبدأ ملحمة الاتجاه اليمني المقاوم للإمامة من اللحظة نفسها تقريبا، اللحظة التي انتهت في بحر سنوات معدودة بإخراج الهادي من صنعاء بوجه مضرج بالدم وبلا حليف ولا غطاء يستظل به.

بأكثر من طريقة ربط الحوثيون أنفسهم في وعي الناس بالإمامة الزيدية وتاريخها السياسي والعسكري الذي لا يحظى بأي إطراء أو تمجيد شعبي، لاسيما بعد قيام الجمهورية في 1962.

الناس لا يستطيعون إلا أن يروا الحوثيين كإماميين مهما تنكروا. الحوثيون ليسوا أبرع ولا أخطر من طريقة أردوغان في لعبة التنكر لتنفيذ انقلابه الناعم على ميراث الجمهورية العلمانية الكمالية، ورغم كل ما يبذله للتمويه والتدرج إلا أنه بات يظهر كطامح لإحياء تجربة الخلافة العثمانية وبات محل لمز من خصومه الذين ينعتونه حينا بالسلطان وحينا بالخلفية، رغم أنه يحافظ على الشكليات العلمانية والديمقراطية وكان وصوله للسلطة عن طريق الانتخابات وليس بالجهاد والزحف المسلح الهمجي.