عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

معركة النصر والقيم مع الغرب

Saturday 17 November 2018 الساعة 07:53 pm

لا يمكن اعتبار بأن كل ضغط دولي، هو لأهداف واعتبارات خاصة بهم، كما لا يمكن كذلك اعتبار بأن كل مواقفهم هي نابعة من قيم إنسانية خالصة؛ هي خليط من الاثنين معاً، بمواقف ثابتة ومطربة ونسبية متفاوتة ومتقلبة من القيم والمصالح.

الآخر، ليس هو الشر الذي تسبب بكل مآسينا وجراحنا، ولا هو كذلك الملاك البريئ، والمنقذ لنا.

يقف الغرب على قمة حضارية، لديه رقي فكري وسياسي، ولديه ثغرات ومثالب وأخطاء كبرى وصغرى، تكمن الكارثة في التعامل معه بمنطق خاطئ، بعدم استطاعتنا على التعامل الحكيم معه، بمنطق فكري وسياسي سوي، وبعقل سياسي راشد.

علينا أن نتعلم من الآخر من رقيه وتطوره، كتطور معرفي نتاج تراكمات حضارية مختلفة، أثرت العقل والتقدم اليوم، بالوقت الذي نعي خصوصية واقعنا والمرحلة التي نمر بها، والتفاصيل الدقيقة التي لا يدركها غيرنا فنتحمل مسؤولية أنفسنا وواقعنا، ومسؤوليتنا نحو القيم، لانحتاج في الجانب القيمي بأن نرضي الغرب أو نقلده، لنأمن شره ونتجاوز ضغوطاته ونتقرب منه، وإنما نحتاج القيم لكي نبني أمتنا، ونتحرر من كل الانتهازية والتدخل باسم القيم، هذه القيم هي ما تكرسه تعاليم الأديان السماوية جميعها، وحث عليها ديننا الإسلامي العظيم، وكذلك كل المنطلقات الإنسانية.

نظرياً أتى أوباما بنظرية سياسية وفكرية عظيمة جداً، وهي بأن على الغرب أن لا يتدخل بخصوصياتنا وتفاصيلنا، ولا يفرض علينا منطقه وقيمه الخاصة، لكنه يحمي القيم العامة ويقف ضد انتهكاتها.. علمياً وقع أوباما نفسه بأخطاء تفصيلية أو كبيرة في تطبيق هذه الرؤية المثالية، ليس المهم بأن نبحث بأخطاء أوباما ونضخمها أو نصغرها، ونختلف نحوها، وإنما المهم بأن نعي الرؤية بحد ذاتها، كونها فكرة جادة لمحاولة خلق علاقات سوية بين الأمم، وإصلاح المسار الحضاري للدول المتقدمة وواجبها نحو العالم، والمعركة هنا مفتوحة كإحدى قضايا ومعارك الإنسان والحضارة، بكل ما هنالك من تقدم وتراجع، ومصالح وادعاءات قيمية، وواقع صعب وضطرابات وغليان، يطفو على السطح ويخفت.

الغرب وعبر كل تاريخه حتى اليوم، ليس سليماً من أخطاء كبرى وانتهاكات ضد القيم، سواء كان مختاراً أو مكرهاً، لكن هذا ليس مبرراً لنا ولا منطقا لمواجهته ولا ينفع التعذر بهذا لإنكار ما لديه من الجانب المشرق القيمي والاخلاقي والاعتبارات الانسانية، لأن هذا التفكير وهذا المنطق يدمرنا كأمة، فيجعلنا نجنح نحو الأخطاء والتطرفات ونزين لأنفسنا أمراضنا، لأن الآخرين لديهم أو كان لديهم أمراض لاتقل عنا؛فنغرق بدوامة من المتاهات والأخطاء، فلانستطيع مواجهة أخطاء الآخر ولانستفيد من ايجابياته ورقيه.

بنفس المنطق هو كارثية جيل المنظمات، الذي يرى بالغرب منفذاً للقيم وحامياً لها، فيضخمون أخطاء صغيرة في مجتمعنا مازالت تحدث بالغرب، ولم نصل يوماً الى نضج مجتمعي وتراكمات وإمكانيات كما هو في الغرب، حتى نواجهها بنفس سياستهم هم.

انتهكانا للقيم الاخلاقية والانسانية، وعدم الاعتبار لها، إلا لمواجهة الضغوطات، سنجد أنفسنا "نسمع جعجعة ولانرى طحينا"، سيتحدث الجميع وترتفع اصواتهم.. عن الغرب الشرير والانتهازي وسياسيته غير العادلة، لكننا لن نحمي أنفسنا وأمتنا بهذا الخطاب العاطفي المبالغ به، وإنما ندمر مجتمعنا وقيمنا، وننتج تفكيرا مشوشا ومهزوزا فاقد الثقة بنفسه وأمته.

كما هو التفكير والمنطق الذي يتبع الأجندة الدولية والمنظمات، الذي يبني تفكيره على المثالية الشكلية السطحية بتقليد الواقع الغربي بسذاجة، دون أن يعي ظروف واقعه ومراحل أمته، فهو يرى بهذا مهنة وترزقاً، ولايهم خطابا سطحيا بالمبالغات والمزايدات بينما هو نفسه والسياسات التي يتبعها، عملياً، ينتهك القيم الإنسانية، وبأقل الأحوال فإنه أداة لما هو سليم وغير سليم، وتغلب الأخطاء والمزايدات على ما سواها.. وقد يحاول فعل الصحيح بطريقة خاطئة، ويتكلم باسم الصح ليقوم بعمل الشيء الخطأ.

المعركة هنا هي معركة مصيرية ومعقدة، وليست خاصة بحدث وواقعة معينة، هي معركة ممتدة من الماضي حتى الواقع والمستقبل، وتظهر بشكل واضح بوقت الأحداث الكبرى والمنعطفات الحاسمة، وكسبنا لهذه المعركة لن يتم بلحظة ولا بموقف ولا بعشرات الأحداث والمواقف المتطرفة هنا وهناك، وإنما بالتأسيس لفكر متزن يعي مهمته في هذه المعركة، بعيداً عن الانجرار وراء المواقف المتطرفة التي يفرضها الواقع وتغذيها العاطفة والمصلحة والحاجة.

نحترم الغرب لكننا ندرك مصلحتنا ونحمي القيم بكل استطاعتنا، نخطئ لكننا لانتمسك بالخطأ ولانبرر له بخطأ الآخر، نرفض التدخلات بأوقات صعبة نمر بها ونحن ندافع عن أنفسنا، لكننا لاننكر دوافعها الإنسانية الصادقة، ولا نتجاهل مكرهاً ودوافعها غير الإنسانية.. نحن أقدر على فهم واقعنا ومواجهة مخاطره، فنسعى لأن يفهمنا العالم ونفهمه، دون أن نرتهن له ودون أن ننساق لمواقف عدمية وتطرفات ومبالغات، وإنما نعمل على تفعيل كل قدرتنا وإمكانياتنا على تغيير الواقع وتغيير المواقف الدولية بعدة طرق وأساليب حكيمة واتخاذ مواقف وسياسات متزنة بين الجرأة والدبلوماسية.