حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

كيف تجنب صالح “نغالة” الحوثي 3 سنوات

Wednesday 05 December 2018 الساعة 08:40 am

تأملات في الخطوط التي قادت إلى ديسمبر الأسود 2017
لقراءة الحلقة الاولى من المقال: 

في قلب صالح.. هادي والإصلاح ورمح الحوثي الصدئ

كانت الأطراف السياسية اليمنية التي وقعت على المبادرة الخليجية في 2011، تتراشق الاتهامات بشأن عرقلة عملية الانتقال وفقاً لنصوص الاتفاق، وكل طرف كان يحشد الأدلة والقرائن لإدانة الطرف الآخر، بالحق وبالباطل.

أما الحوثيون فإنهم نسفوا اتفاقهم مع المؤتمر بوضوح ومجاهرة تامة، دون أن يرف لهم جفن أو أن يضعهم أحد موضع الاتهام أو يضطرهم إلى تبرير أو إنكار ما يعد خرقاً ونقضاً للاتفاق.

في الأيام التالية لتوقيع اتفاق "الشراكة" بين الحوثيين وحزب المؤتمر برئاسة صالح، بدأ الإعلام التابع للحوثيين يبث، دونما أي مناسبة، رسالة باسم منظمة تحمل مسمى لا يندرج ضمن هيكليات وأطر ومسميات الدولة اليمنية وجيشها: "القوة الصاروخية". كانت الرسالة موجهة إلى من أسمته ب"قائد الثورة" عبد الملك الحوثي.

لكن حزب المؤتمر لم يسجل أي احتجاج على الرسالة وصيغتها المنافية لنص الاتفاق. وفضلت قيادته أن تقلل من شأن الموضوع وأن تنسبه إلى فصيل افتراضي داخل جماعة الحوثي متهم بالسعي إلى تقويض الاتفاق السياسي مع المؤتمر أو تحريفه وإفراغه من محتواه.

الرسالة كانت تعمل بشكل مستمر على الإيحاء بأن "السيد" لا يزال يحتفظ بوضعه ودوره السابق للاتفاق مع المؤتمر، وأن مكانته وسلطته "الثورية" غير المحددة لا تزال سارية على هياكل ومؤسسات الدولة من مرتبة أعلى من كل المسميات والصفات المنصوص عليها في الدستور وفي وثيقة الاتفاق.

ثم توالت الخروقات التي كانت تمس صلب الاتفاق وركائزه، ولم تكن مجرد مخالفات في تفاصيل جانبية.

كان صمت المؤتمر برئاسة صالح يثير الأسئلة: لماذا لم يسجل اعتراضه علناً على خروقات جسيمة أفرغت الترتيبات والخطوات، التي تمت استناداً إلى الاتفاق، من معناها، وأرسلت رسائل متناقضة إلى قواعد وأنصار طرفي الاتفاق؟ 
هل كان المؤتمر يسجل اعتراضاته في الغرف المغلقة أم عبر اتصالات مع قيادات أنصار الله؟

ولماذا لم نقرأ أو نسمع اعتراضات مباشرة معلنة وقوية على لسان قيادي مؤتمري رفيع؟

الاحتمال الأقوى هو أن المؤتمر كان يدرك أن إظهار الخلاف السياسي للعلن مع جماعة ليست إلا بالكاد سياسية، سوف يعني بالضرورة الصدام والمواجهة العسكرية لاسيما وأن الحوثيين يعلمون أن المؤتمر أقل استعداداً وميلاً للمواجهة في ظل الحرب التي وضعته معهم في جبهة واحدة.

كان مما لا شك فيه أن الحوثيين، بغريزتهم العدوانية، اكتشفوا تدريجياً نقطة ضعف بارزة في جبهة المؤتمر برئاسة صالح، وهي أن هذا الأخير أقل ميلاً للتصعيد والمواجهة لاعتبارات كثيرة واقعية وسياسية وأخلاقية وحسابات عسكرية. كان الحوثيون يعرفون حرصه على تجنب الدخول في مواجهة معهم، وخصوصاً في ظل استمرار ما اتفق الطرفان على تسميته بـ”العدوان الخارجي".

على مدى العامين السابقين لمقتله، ظل صالح يشحذ وينقح موقفه من السعودية، وراح يصعد نبرة خطابه ضد تدخلها العسكري. إلى جانب أنه كان يفعل كل ما يستطيعه لتطمين الحوثي وإسكات مخاوفه وشكوكه التي كانت تتنامى بتغذية من وسائل إعلام خصومهما.

كان صالح يحاول بكل السبل تعزيز مصداقية عدائه ورفضه للتدخل العسكري السعودي الذي بادر إلى وضع الرجل، منذ البداية، كهدف من أهداف غاراته الجوية استجابة لرغبة الرئيس هادي والجماعات المشاركة في أحداث 2011 لإسقاط نظام صالح.

الحوثي لم يكن يفعل الشيء نفسه بخصوص مسلكه وموقفه من النظام الجمهوري. كان يمضي وفق برنامجه الخاص بثبات. وهو ما وفر مجالاً للاصطياد والطعن في وطنية صالح من قبل أعدائه، لأنه لم يكبح خطوات الحوثيين الجريئة باتجاه التطييف وإعادة إحياء وتكوين مؤسسة الإمامة الزيدية سيئة السمعة تاريخياً.

كان صالح يحاول الظهور أكثر جذرية وجدية في ميدان مناهضة السعودية على المستوى الإعلامي والسياسي، الأمر الذي أضفى على الحرب طابعاً يمنياً سعودياً.. وهو الطابع الذي يعجز الحوثيون عن إعطائه للحرب. كان الرئيس السابق، بخطابه السياسي وتاريخه وارتباطاته الوطنية، يغطي نقص الأهلية والجدارة لدى الحوثيين. 
(في البداية أدرك الحوثيون هذه الحقيقة، وراحوا يخطبون ود صالح الذي لم يكن حينها في وضع يسمح له باتخاذ موقف رافض لليد الوحيدة الممتدة له بظاهر الصداقة والود وسط عالم من الأعداء في الداخل والخارج. وقد أخذوا يطرحون عليه بإلحاح فكرة التحالف معه والاستفادة من خبرته ونفوذه وتحقيق اختراقات في قاعدته الجماهيرية).

في المقابل كان الحوثي سطحياً جداً فيما يخص احترامه واعترافه بالنظام الجمهوري. لم يتقيد بأصول الوطنية اليمنية الحديثة. ولم يبال بوجود صالح وحزبه أو يقدم دلائل عملية عن حسن سلوك نحو الجمهورية والدولة. كان شديد الاعتداد بخطابه وشعاراته الأيديولوجية وأساليبه الطائفية في التعبئة والتجييش. ليس هذا فحسب، بل إن الحوثيين المتنمرين كانوا يضمرون في أعماقهم أن المؤتمر برئاسة صالح مدين لهم بالبقاء في صنعاء، صنعاء التي باتوا يمتلكون فيها القدرة على اجتثاث كل ما لا ينسجم مع مشروع "الولاية" الذي يشكل حجر الزاوية في نشاطهم وقيامهم وقعودهم.

لم يهتم الحوثيون برفع العلم اليمني مثلاً. ظلوا يقاتلون تحت شعار "الصرخة" الخاصة بهم، ويستخدمون ملازم مؤسس حركتهم في التعبئة والحشد والتثقيف، ويشيعون الجثامين ملفوفة براية الجماعة وأولوانها الخاصة. في صنعاء كانوا يوافقون نظرياً على كل ما يطرحه المؤتمريون عن الدولة والجمهورية والديمقراطية والشراكة.

الحوثيون لم يتصرفوا، ولا لحظة، بطريقة تشي بأنهم يتملقون صالح كما لو كان حارس الجمهورية، وأن عليهم رشوته ومراضاته.. فهم لا يعترفون لأحد بمكانة كهذه. وكل الحيل والتكتيكات التي كانوا يتخذونها لمواربة وتمرير مشروعهم المناقض لجمهورية 26 سبتمر 1962، كانت تبدو في شكل رديئ من الواقعية السياسية التي لا غنى عنها، مؤقتاً، حتى تنضج الظروف لمشروعهم الإمامي الخاص.

بينما كان صالح وأنصاره في وضع من وجد نفسه في غمار حرب لم يقررها ولم يستعد لخوضها. لهذا السبب، كانوا يظهرون، بوعي أو بدون وعي، وكأن الحوثي هو الجهة المعنية التي ينبغي تقديم ملفاتهم إليها للحصول على صك الاعتماد كوطنيين ضد العدوان.

على الرغم من أن عداء الحوثي للسعودية لا يصدر عن وعي وثقافة وطنيين بالمفهوم العلماني الحديث للدولة الوطنية القطرية. ينطلق الحوثي في مشروعه من أرضية دينية طائفية (فوق) وطنية تمتد خارج حدود اليمن لتشمل ما يسمى محور الممانعة بقيادة إيران، وينطلق من منطلق (دون) وطني يقتصر على عداء مدفوع بحساسية ذات صبغة مذهبية.

كان الحوثي يسلك في سياسته تجاه السعودية متخففاً من الشعور بأي حرج أو مخافة أو اعتبار، مدفوعاً بالاعتقاد أن مجرد اختلاف جماعته مذهبياً مع السعودية، كفيل بأن يعفيه من أي تبرير أو مساءلة او تخوين، طبعاً على أساس أن "وطنيته" من هذه الناحية هي مسألة بديهية، فيعطي نفسه الحق في التشكيك بالآخرين الذين عليهم إثبات وطنيتهم لأن موقفهم من التدخل السعودي لا يتأسس على قاعدة دينية مذهبية! 
ولذلك كان المفاوض الحوثي يعقد لقاءات سرية مع مسؤولين سعوديين دون الخشية من تخوينه (أين الوطنية في الموقف السياسي الذي يتأسس تحديداً على الاختلاف المذهبي وليس على حسابات عقلانية محكومة بالمصلحة الوطنية العليا؟).

كانت جبهة صالح محرومة من هذه الميزة التي كان يتمتع بها الحوثيون بفضل "نغولتهم" التاريخية العريقة أولاً، وبفضل تكوينهم اللاوطني المسنود بنزعة جهادية متوحشة، ثانياً.