عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

لن ينصدم الشعب بأوهام السلام

Sunday 09 December 2018 الساعة 01:35 pm

لم تساو شيئاً تلك الضغوطات التي قامت بها الدول العظمى، على تركيا في ملاحقة الأكراد، ومؤخراً التعامل مع حركة فتح الله كولن، وكذلك الأمر مع مصر في قيادة السيسي ومواجهاته الصارمة مع الإخوان، وشيئاً فشيئاً اقتنع الجميع طوعاً أو كرهاً، بالمنطق الذي قدمه السيسي..

لايمكننا هنا بأن نغفل عن تلك الاختلافات الجوهرية في هذه المعارك مع المعركة باليمن، فهنالك شعب التف وراء السلطة، ورغم كل شيء فقد مثل إردوغان، كما هو السيسي، قوة وصمودا بل وتحديا وندية أمام الدول العظمى، من منطق قوتهم وسيطرتهم على الواقع، على خلاف واقع الشرعية في معركتنا باليمن، لكن الأمر الأهم والأخطر هو أن المعركة اليوم لم تعد معركة الشرعية، كما أيضاً لم تعد معركة التحالف ولا معركة الإمارات والسعودية، هي معركة الشعب اليمني كله، لكن من يمثل الشعب اليوم أمام العالم؟!

قد يتبرأ الشعب من الطرفين مع أنه في أغلبه ينشد الخلاص من الحوثي، وينشد الخلاص من الحرب ومن كل أسبابها ومسبباتها.. ولن يقف متكوف الأيدي ولن يعلق آماله على أي أوهام.. سيعرف الشعب طريقه مهما كان الثمن الذي سيدفعه، فليس أمامه إلا أن يتخلص من العبث بأسلوبه الخاص وطرقه المبتكرة.

يخوض الوفدان (الشرعية، والحوثي) حروب تصريحات وإعلام، كل يريد أن يستخدم لغة منمقة يرضي بها جمهوره ويكسب مواقف دولية، ويبقى في الأخير للتصريحات رجالها وظروفها وأهدافها مهما كانت ناعمة ومتذاكية، وللواقع رجاله وللحرب قاده يقودون معاركهم بعيدا عن أي صلة أو علاقة بتلك التصريحات وتلك المفاوضات.

الشرعية والحوثي يشتركان بالعجز والإخفاق الكامل في إقناع الجانب الأممي بمنطقهم السياسي رغم كل اجتهاداتهما ومحاولاتهما في هذا، كما يعجزان عن تسويق نفسيهما للشعب بأنهما يمثلانه، وهنا تدار معركتهما، وحين يوشك طرف على الانهزام، تتحرك أطراف أخرى لإحداث معجزة في المعركة وعودة الصراع إلى مرحلة من التوازن بفوارق بسيطة وبقدرة كل طرف على الاستمرار بالصراع، حتى على المستوى الإعلامي والمنطق السياسي.

يتدخل العرب لإنقاذ الشرعية، لأن المعركة معركة قومية معقدة، كما تتدخل إيران عبر مواقف دولية رفيعة لإنقاذ الحوثي، وإمداده بما يحتاج للاستمرار في معركته، ومن هنا كانت فكرة أوباما بأن إنهاء الحرب باليمن، لن يكون إلا عبر إحداث سلام بارد بين العرب وإيران. رغم أن أوباما عبر عن تأييده للعاصفة وبأنه يدعمها لوجستياً، كما أنه حاول عملياً وضع تعديلات إنسانية عليها، فكان له دور من تعديل المصطلح، أو بالأصح تعديل بفكرة الحرب والدخول بمرحلة جديدة، وهي الانتقال من عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل، واقعاً لم يتغير شيئ غير الاسم.

ترامب كان يعادي إيران بنفس المنطق الذي كان يعادي به السعودية، لكنه غير سياسته من المهاجمة للسعودية إلى استمالتها من منطق القوة الاقتصادية التي تحظى بها السعودية، وطمعه بما لديها من مال وما لدى أمريكا من مصالح اقتصادية معها، وليس نفوذها وما تمثل في العالم العربي، وتعبيرا عن احترام مبادئ العلاقات الدولية والمصالح المشتركة والحرب على الإرهاب الذي تدعمه إيران وكيف يمثل تهديدا للمنطقة سيدفع الكل ثمن هذا، لكنه ظل يلعب بمواقفه من ناحية إلغاء لكل فكرة ولكل مشروع قام به أوباما قبله، ومن ناحية أخرى، جعل مواقفه فاتورة مبيعات يجب أن تدفها السعودية..

ومع كل ما يمثل ترامب من عبء على السعودية إلا أنه قد يكون أفضل لها من أوباما الذي كان يمسك العصا من المنتصف يقف مع السعودية هنا ويقف ضدها هنالك، من منطق الفكر والسياسة والقيم والمصالح.

بريطانيا التي كانت تمثل الحليف الموثوق به للسعودية مؤخراً جاهرت بكل وضوح بتبنيها مواقف وسياسات تخدم إيران والحوثيين، وهذا الأمر ليس غريباً تماماً في عالم السياسة.

خلاصة.. كلما كان هنالك من ضعف وإنهاك وشبه استسلام لأي طرف داخلي، فإن الموقف الإقليمي سوف يقف مع الطرف الذي يمثله وينتشله من صعفه وعجزه عبر علاقاته الدولية وانقساماتها الرئيسية بين العرب وإيران كقوى دولية عظمى ومؤثرة بازدواجيتها وتناقضاتها ومصالحها، وهذا ما يجعل أمد الحرب أطول وأطول.. ولن يظل الشعب مغيباً فسيعرف كيف يصنع أنتصارته ولن يرهقه شيئ، ولن ينصدم بتبخر سلام لم يعول عليه ولم يثق به أصلاً..