مروان الجوبعي

مروان الجوبعي

تابعنى على

طفل بريئ ووصمة "أولاد الحرام"!

Sunday 30 December 2018 الساعة 10:12 pm

يوم أمس أحد الزملاء بالعمل ذهب للصلاة بالمسجد، وعند البوابة اكتشف وجود طفل حديث الولادة، فاتصل على الشرطة، وهي بدورها أخذته إلى الحضانة.

ذات يوم هذا الطفل سيعيد اكتشاف نفسه من جديد، ويكتشف معها أن وجوده حرام وأن شنق نفسه حرام، وعليها سيواصل إجبارياً رحلة المعاناة الشاقة التي بدأها قبل أن يدركها.

سيمضي وحيداً على رصيف الحياة، يحدق في وجوه المارة بحثاً عمن أتى به إلى هذا العالم ورماه بوجه العاصفة، سيحدق في وجوه المارة كما يحدق الناس في السماء والجبال والغابات بحثاً عن الله.

الأم المجهولة التي اقترفت هذه الجريمة، وحدها الآن من يشعر بفداحة المأساة.

ولربما بهذه اللحظات تعذبها وخزات الضمير، وتتراءى لها ملامح طفلها الذي قذفته بالشارع رغماً عنها، ولو أنها كانت بلا ضمير لما خاطرت بنفسها وخرجت لتضعه أمام المسجد، باحثة عمن ينقذ روحه البريئة من سخط قومها، كما فعلت مريم مع ابنها.

الأم وحدها هي المدان أمام الجميع، وهي من تتحمل عبء هذه المأساة وتتألم قبل وأثناء وبعد الولادة.

الأم وحدها التي سيظل هذا الطفل ندبة في قلبها إلى آخر لحظة بحياتها، بكت وستبكي كثيراً من أجله.

غداً سيكبر هذا الطفل البريئ ويتعلم عن الأخلاق في المدرسة والجامع ووسائل الإعلام، ووحده من سيكتشف أن من يعطي الدروس بالأخلاق هو أصلاً بلا أخلاق.

سيكتشف ذلك عندما يجد الأستاذ والإمام والكتاب والإعلاميين والأطباء والمجتمع، كلهم دون استثناء يشيرون إلى معاناته باحتقار ويسمون أمثاله "أولاد الحرام"، حينها، بمرارة سيتحدث مع نفسه "وما ذنب أولاد الحرام بجرائمكم؟ لولا دناءتكم لما أتينا أصلاً!".

سيكبر أكثر ويكون أكثر نضجاً من غيره، وحينما يجد الناس يتجادلون حول أصل البشرية هذا اللغز "اللغيز" والمجهول الذي لا يستطيع أحد الجزم حوله، حينها سيعلق ساخراً مواسيا نفسه "إذن كلنا طلعنا أولاد حرام" ، سيعلق هكذا ويضحك كثيراً على سخافة المتجادلين.

بسبب هذه الجريمة لن يتوقف المجتمع عن معاقبة الطفل، ولن يترك له فرصة ليعيش حياة طبيعية إلى أن يغادر هذا العالم.. والضمير بوخزاته سيدمي قلب الأم..!

أما الأب المجهول سيعيش حياته مطمئناً، لأن كل الأدلة تدين الضحايا وتتستر عن المجرم الحقيقي!


* من صفحة الكاتب علی (الفيس بوك)