فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

فصل المقال في أزمة حزب المؤتمر (6)

Thursday 14 February 2019 الساعة 08:13 pm

تأخر اختيار رئيس جديد للمؤتمر في صنعاء إلى ما بعد اغتيال الرئيس صالح والأمين العام عارف الزوكا بنحو شهر. لأن القيادات في صنعاء كانت في حالة عسيرة، فمن جهة كان هناك الذهول الذي سيطر عليها جراء عملية اغتيال رجل مثل صالح، ومن جهة ثانية، التدابير القمعية والاستبدادية التي قام بها الحوثيون ورافقت العملية وأعقبتها، وأخرى سبقتها بقليل.

وشكلت سلسلة تلك التدابير والإجراءات المترابطة، وتهم التآمر والخيانة دون دليل التي أطلقت في سماء صنعاء، ما يشبه حملة المكارثية على الموظفين العموميين والسياسيين الأمريكيين المحسوبين على اليسار التي تصدر لها عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري جوزيف ريموند مكارثي في خمسينيات القرن العشرين، حيث اعتقل الحوثيون رجالاً وشباباً ويافعين بجريرة صلة القرابة مع صالح، ووضعوا عشرات القيادات في السجون، وخارج العاصمة اعتقلوا وقتلوا آخرين في محافظات المحويت وحجة وذمار والحديدة وعمران، ووضعوا مقرات الحزب في العاصمة وتلك المحافظات تحت تصرفهم، كما جمدوا أرصدة المؤتمر، وصادروا ممتلكات خاصة لكثير من قياداته بدعوى تحويلها إلى ممتلكات عامة للشعب. وكانت الحركة الحوثية قد بدأت منذ اليوم السابق لعملية الاغتيال وضع يدها على كل صحف ووسائل إعلام الحزب. ويدلك تبريرهم إغلاق قناة اليمن اليوم على النزوع الاستبدادي الذي يقف خلف تلك التدابير، والتوجه نحو فرض وصاية على المؤتمر، فقد أصدرت وزارة الإعلام التي كان يديرها قيادي حوثي مهم في العاصمة صنعاء، بياناً ساقت فيه بشارة سارة للشعب اليمني! وتلك البشارة هي: "أن الله عز وجل وفق شعبنا وأجهزتنا الأمنية لإسكات أبواق الفتنة، المتمثلة في قناة اليمن اليوم الفضائية.. وأن الوزارة منذ هذه اللحظة ستشرف على القناة وستنقل برامجها نقلة نوعية لضمان تأدية الدور الإعلامي المنشود منها"!

أما من تبقى من قيادات الحزب في صنعاء خارج المعتقلات، في تلك الأثناء، فقد ظلوا قيد المراقبة الدائمة، محدودي الحركة وحرياتهم مقيدة، نتيجة الإجراءات المحيطة بهم، والوضع السياسي المعقد للغاية.

حين خفت تلك الحملة قليلاً عقدت اللجنة العامة للمؤتمر اجتماعاً استثنائياً في نهاية الأسبوع الأول من شهر يناير 2018، انتهت فيه إلى تكليف الشيخ صادق أمين أبو راس لقيادة الحزب خلفاً لرئيسه المغدور به. ولم تختر اللجنة نائباً أولَ أو ثانياً لهذا الرئيس الجديد لسبب مفهوم وهو أن ذلك ليس من صلاحياتها، ومعروف أن الشيخ صادق خبير بنظام المؤتمر ولوائحه، كما سنبين بعد قليل. وإضافة إلى رئاسة الحزب كلفت اللجنة الشيخ صادق -مع آخرين- القيام بمهام الأمين العام. وعلى وجه الدقة ذكرت اللجنة في بيانها ما يلي: إنها أقرت –وبالإجماع- أن يقوم الشيخ صادق أمين أبو راس برئاسة وقيادة المؤتمر الشعبي العام إلى أن يتم عقد مؤتمر عام. وإنه نظراً لعدم إمكانية عقد مؤتمر عام لاختيار أمين عام للمؤتمر وفقاً للنظام الداخلي، فقد وافقت اللجنة العامة على مقترح بتكليف قيادة تنفيذية جماعية برئاسة رئيس المؤتمر، وعضوية الأمناء العامين المساعدين يحيى الراعي، ياسر العواضي، فائقة السيد، ورئيس هيئة الرقابة التنظيمية نجيب العجي. وإن اللجنة العامة برئاسة صادق أمين أبو راس هي القائد والموجه وصاحبة القرار في كل شئون المؤتمر الشعبي العام.

ومن وجهة نظر معظم القيادات في صنعاء، كان اجتماع اللجنة العامة ونتيجته صحيحة من الناحية اللائحية، لأن أبو راس كان نائباً لرئيس المؤتمر منذ زكت اللجنة الدائمة مقترح رئيس المؤتمر في دورتها الاستثنائية التي عقدت يوم 8 نوفمبر 2014، بأن يصبح الدكتور أحمد عبيد بن دغر نائباً أول لرئيس المؤتمر وصادق أمين أبو رأس نائباً، وعارف الزوكا أميناً عاماً، ثم إن أبو راس تم تصعيده إلى نائب أول بعد التحاق ابن دغر بالرئيس هادي، وعلى ذلك حل أبو راس محل رئيس المؤتمر تلقائياً إلى أن يتم عقد مؤتمر عام للحزب وفقاً لنظامه الأساسي، وهذا يتطابق مع النظام الأساسي للمؤتمر، حسب حجتهم.

ونعتقد أن اللجنة العامة استندت أيضاً في اختيارها الأخير إلى تدبير تنظيمي سابق، وذلك حين عقدت في رابع أيام شهر إبريل 2016، اجتماعاً مخصصاً للموافقة على قرار قالت إن هيئة الرقابة التنظيمية اتخذته، يقضى بفصل كل من هادي، ابن دغر، رشاد العليمي، ومحمد بن ناجي الشايف من عضوية المؤتمر الشعبي، بذريعة مساندة العدوان! والغرض من هذا التذكير جواب لسؤال محتمل إثارته من قبيل: إذا كانت اللجنة العامة اختارت أبو راس، فإن اللجنة الدائمة قد زكت في نوفمبر 2008 ابن دغر نائباً لرئيس المؤتمر، فلِمَ تجاوزت اللجنة العامة النائب الأول ابن دغر واختارت أبو راس؟

وفي حقيقة الأمر أنه حين عقدت اللجنة العامة اجتماعاً لاختيار أبو راس كان هناك ثلاثة يحملون صفة نائب أول لرئيس المؤتمر: هادي، ابن دغر، وأبو راس. وقبل ذلك بسنة وعدة أشهر، كان ثمة أربعة نواب لرئيس المؤتمر، النائب الأول هادي، والنائب الأول ابن دغر، والنائب الثاني الإرياني، والنائب أبو راس الذي لم تقترن بصفته كلمة أول أو ثانٍ. ويظهر لنا أن هذا الإرباك وما سبقه وتلاه، نشأ بسبب استغلال -وأحياناً سوء استغلال- عبارات مطاطية في النظام الداخلي، وأكثر من ذلك قرار اتخذته اللجنة الدائمة بتأثير ملابسات خاصة، وذلك أنها في نهاية دورتها الرابعة أواخر مارس 2011، خولت اللجنة العامة تعيين أعضاء قياديين في اللجنتين الدائمة والعامة وفي الأمانة العامة بدلاء ممن قدموا استقالاتهم أو تخلوا عن عضويتهم في هذه الهياكل التنظيمية، بعد ما سمي جمعة الكرامة، فضلاً عن تقديم الاجتهادات الشخصية على النظام الأساسي، كما بينا في مقال سابق.

بناءً على ذلك لم يفقد هادي صفته التنظيمية كنائب أول لرئيس المؤتمر إلا إذا عُدت الإجراءات التي تمت بحقه سليمة من الناحية اللائحية، وهي نفس الإجراءات التي جعلت ابن دغر نائباً أول، وأبو راس نائباً. ولكنها، من وجهة نظرنا، غير معتبرة في ميزان النظام الأساسي.

وعلى الرغم من أهمية الملاحظة السابق، فإن قيادة المؤتمر في صنعاء أصبحت بمثابة الأمر الواقع، ودعك عن قضية الشرعية من عدمها في نظر الفريقين الآخرين. أما لجهة أعضاء اللجنة العامة في صنعاء الذين لم يحضروا اجتماع يناير لاختيار أبو راس -باستثناء أحد المعينين منهم بقرار من الرئيس صالح- فلم يعارضوا الاختيار، علنا على الأقل، أما الآخرون في المنافي أمثال البركاني والقربي ودويد والكحلاني فإنهم حاكوا بيان مؤتمر الرئيس هادي في الرياض محاكاة آنية، فلم يشيروا إلى أحقية هادي في رئاسة الحزب، بل اكتفوا بترديد عبارة وردت في البيان وهي أن اجتماع صنعاء تقرر تحت هيمنة وإملاءات الحوثيين، وغير ذلك لم يصدر منهم أو من أحدهم مقالات تعبر عن مواقفهم من قيادة صنعاء، بل إن بعضا منهم غض الطرف نظرا لإدراكهم ضرورة إملاء الفراغ الذي نتج عن اغتيال رئيس الحزب وأمينه العام، أو تقديرا منهم للظروف التي تحيط برفاقهم في صنعاء، فضلا عن تأثير العلاقات الشخصية بالشيخ صادق أمين أبو راس، وهو سياسي مخضرم، مجرب ظل المسئول الأول عن الشؤون التنظيمية داخل المؤتمر.. وفيهم من استقر لديه العرف الشائع بأن العاصمة صنعاء هي الموئل الرئيس للحزب وما يتقرر فيها يتم قبوله ولو رافقته تجاوزات تنظيمية، والفرضيات السابقة تحتمل الصواب والخطأ.

الطعن في شرعية القيادة في صنعاء جاء من جهة الرئيس هادي وقيادات الحزب المؤيدة له في الرياض. موقف هذه الكتلة المؤتمرية الوازنة أيضا، من نتيجة اجتماع اللجنة العامة في صنعاء، كان واضحا، كما في البيان الذي أصدرته من الرياض في نفس اليوم، حيث ضمنته عدم اعترافها بالقيادة الجديدة في صنعاء، فمن جهة أن ما قررته اللجنة العامة غير شرعي ومعدوم الأثر، كونه تم تحت هيمنة وإملاءات الحوثيين، ومن جهة ثانية أن رئيس الحزب يتم انتخابه من قبل مندوبي هيئات الحزب إلى المؤتمر العام، وفي الظروف الاستثنائية يحل النائب الأول محل الرئيس عند فقده، وفي هذه الحالة يكون الرئيس هادي هو النائب الذي سيحل محل رئيس المؤتمر، باعتباره انتخب نائبا أول في المؤتمر العام السابع عام 2005.

والرأي عندنا أنه ينبغي التعامل مع قيادة المؤتمر في صنعاء تعاملا مبنيا على فهم وإدراك معطيات عنيدة. فما يسمى جناح صنعاء، ليس جناحا في الحقيقة، إنه كثير، وبات يتصرف تصرفا يقوم على استقلاله التام. وهو أيضا يتمتع بعناصر قوة، ففيه يحيى علي الراعي الأمين العام المساعد للحزب -رئيس مجلس النواب- وفيه الأمينة العامة المساعدة فايقة السيد، والأكثرية من أعضاء اللجنة العامة واللجنة الدائمة، والقيادات التنفيذية في الأمانة العامة ودوائرها وهيئة الرقابة التنظيمية. وإذا كان الأمين العام المساعد الشيخ ياسر العواضي قد اختار الاستقرار مؤقتا في قريته لدواع أمنية -حسب ما نعلمه الآن- نظرا للخصومة الشديدة بينه وبين الحوثيين، فهو محسوب على القيادة في صنعاء، واخباره تنشر تباعا في وسائله الإعلامية، بل هو الآن ضمن القيادة التنفيذية الجماعية التي ذكرناها قبل، ومؤخرا صار جزءاً من لجنة التحضير لعقد الدورة الاستثنائية للجنة الدائمة الرئيسية.

ذلك واحد من عناصر القوة، والثاني أن هذا الذي يقال إنه جناح صنعاء ليس محل اعتراض القيادات المؤتمرية الموجودة في القاهرة وغيرها كما لمحنا قبل، أمثال الأمينين العامين المساعدين سلطان البركاني، وأبو بكر القربي، وأعضاء في اللجنة العامة مثل أحمد محمد الكحلاني، ويحيى دويد، كما أنه ليس محل اعتراض القيادات الأخرى الصامتة وهي كثيرة العدد.. كما أن مؤتمر صنعاء فيه قيادات شابة جديدة تم التعويض بها عن الأعضاء المستقيلين وعن الذين اتخذت بحقهم عقوبات تنظيمية كالفصل أو تجميد العضوية، بغض النظر عن كون تعيينهم تم بانتهاك النظام الأساسي للحزب، فقد كانت اللجنة العامة، وكذلك رئيس المؤتمر يصعدون أعضاء مؤتمريين من الهياكل التنظيمية المتوسطة إلى المستويات القيادية العليا، مستندين بذلك إلى نصوص عمومية في النظام الأساسي، وإلى قرار اللجنة الدائمة الذي أشرنا إليه قبل.

ومن عناصر قوة مؤتمر صنعاء أنه ما يزال يحظى بمصادر دعم معنوي متنوعة، واحدة منها -وهي ايضا من مظاهر قوته- استمرار تعامل بعض الدول الأوروبية والعربية والأمم المتحدة معه، ومن جانبها تقدم حزب المؤتمر على نفس الصورة التي سبق وأن رسخت في أذهان انظمة هذه الدول. وبينما يفاخر بعض بلهاء المؤتمر في الخارج بوجود تشكيل عسكري موال لهم -صار مؤخرا مشاركا في الاشتباك العسكري الداخلي مع التشكيلات الكثيرة التي سبقته- تؤكد قيادة المؤتمر في صنعاء لممثلي هذه الدول وللأمم المتحدة أن المؤتمر الشعبي تنظيم سياسي، ليس لديه أي تشكيل عسكري أو شبه عسكري، حزب مدني سلمي يرفض العنف واستخدام القوة لتحقيق اغراض سياسية، هدفه بناء دولة مدنية حديثة يسودها النظام وحكم القانون، والعدل والحرية والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان، كما ظلت قيادة مؤتمر صنعاء تقدم الحزب كطرف أساسي في التسوية، والمعني بتحديد ممثلي المؤتمر في المشاورات، وهي التي تعرض رؤيتها للتسوية كونها الرؤية الرسمية للحزب. ودائما كان مارتن غريفيث يحرص على مقابلة قيادات المؤتمر في صنعاء أثناء زياراته التي تتالت في الفترة الأخيرة، وعقب لقاء جمعه مع أبو راس والراعي قال إن حزب المؤتمر الشعبي يمتلك رؤية وخبرة كبيرة في شؤون الحكم، وقبيل مشاورات ربمو بالسويد سلم مكتبه في صنعاء دعوة للمؤتمر لحضور تلك المشاورات. ألا يعني ذلك شيئاً بالنسبة لمؤتمر هادي ومؤتمر أبو ظبي؟

بقي لنا تسجيل الملاحظة: الأولى التالية، وهي أن قيادة المؤتمر في صنعاء -وهذا محل تقديرنا- تظهر مستوى جيدا من الحرص على تجنب تعميق الخلاف مع التيارات المؤتمرية الأخرى، وقبل عدة أشهر أصدرت توجيها لجميع العاملين في وسائل إعلامها والكتاب المحسوبين على المؤتمر بتجنب مهاجمة أي قيادات إعلامية في الداخل أو الخارج، لمنع تعميق الخلاف القائم، وقبل عشرة أيام فقط قال أبو راس، ليس بمؤتمر من يسيئ للمؤتمر وقياداته في الداخل والخارج، بينما الإعلام والإعلاميون المحسوبون على التيارين الآخرين مستمرون في الهجوم على مؤتمر صنعاء، وينسجون حكايات مؤداها أنه صار فرعا من افرع الحوثي، وتارة يصمونه بالتبعية لدولة قطر، لتشويه صورته بل والإساءة للحزب برمته، والطريف أن معظم المهاجمين لا ينتمون للمؤتمر، أو كما قال أبو رأس -وأنا أصدقه- لا يحملون بطاقة عضوية للمؤتمر، ولا وجود لأسمائهم في أي سجلات المؤتمر.

على أن مؤتمر صنعاء ليس متحوثاً، ولا تصرفاته محكومة بشروط الحوثيين، كما يردد بعض بلهاء المؤتمر وراء خصومه، ويعتقد الكاتب أن اجتماع اللجنة العامة في صنعاء، الذي اتخذت فيه تلك الإجراءات، لا يعبر عن إرادة الحوثيين، وهم هذه المرة أيضاً لم يحصلوا على مرادهم المتمثل في إصدار إعلان من اللجنة العامة تتبرأ فيه من القيادات المؤتمرية في الرياض والخارج عموماً. وفي المقال التالي سوف نشرح الملابسات التي ولدت في ظلها مقولة الجناح الحوثي في المؤتمر.

(*) عضو اللجنة الدائمة الرئيسية