عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

العميد طارق والمعركة الوطنية

Sunday 03 March 2019 الساعة 07:06 am

في مرحلة وطنية بالغة الصعوبة والتعقيد، مختلفة التناقضات والتحولات، متشابكة الأحداث، مُربكة إيقاعاتها وتفاعلاتها، مفاجئة وصادمة نتائجها وخلاصاتها؛ ظهر العميد طارق محمد عبدالله صالح كبطل وطني حقيقي، متحلٍ بالثبات ورباطة الجأش، وهو في قلب العاصفة، متمسك بالأمل والإرادة، معبر عن الوضوح والقوة والصدق والجرأة بالقول والفعل، في مرحلة شديدة الحساسية ارتبك فيها الجميع ووهنوا وضعفوا وارتهنوا وجبنوا، وهم أكثر بُعداً عن الساحة الفعلية للمعركة، أما طارق فقد كان في عمق هذه التعقيدات، وفي قلب هذه المعركة، ناجياً من بين ركامات انهياراتها، ليقول لنا بأنه حين تخيب كل الرهانات، ونفقد كل شيء، تبقى الإرادة هي أقوى الأسلحة وأعظمها، وتبقى التجربة بحد ذاتها أهم مصدر للقوة وصُنع الانتصارات، بناءً على فهمها وتقييمها ومراجعتها بكل جرأة.

من شأن الأحداث الكبرى بأن تحدث تغييرات مختلفة على الأرض والبشر، فيتمسك البعض بالكرامة حتى يموت دونها، على الأقل الكرامة الشخصية، بينما تتقزم وتنهار شخصيات كانت تدعي يوماً أنها شامخة وثابتة كالجبال، وتتبخر مزايدات مختلفة، وتظهر الروبيضات الجديدة.

وكذلك فإن بطولات حقيقية جديدة تشرق بروحها الوطنية الوثابة، وتتميز بقيمها الأخلاقية كتجليات واضحة بأفعال وأقول صادقة، فتمحو البطولات الزائفة، والمعارك العبثية، التي تظل تدور بمتاهات الدوائر المغلقة.

بروح وطنية جديدة، وبفلسفة مختلفة، وبرؤية سياسية مغايرة، وبوعي وطني حقيقي يدرك التراكمات بشقيها، السلبي والإيجابي، ويدرك كيف يعزز الإيجابيات ويطورها، وكيف يتعرف على الأخطاء ويواجهها ويراجعها، بكامل الدقة والاتزان في التحكم بخيوط المعركة، بمراعاة المراحل والخطوات، وكيفية تحقيق النصر بالتكامل والترابط الطبيعي بين ضرورة اللحظة الوطنية وظروفها، على البُعد القريب والمتوسط والاسترتيجي.. بدون القفز على الواقع بتعقيداته المختلفة، وبدون الانغماس المبالغ به في ضرورة اللحظة، على حساب البُعد الاستراتيجي، وبدون أن تتكلف وتبالغ بالبُعد الاستراتيجي دون مقدرة على إحداث تأثير نوعي باللحظات الراهنة، تُخلق الرؤى السياسية الوطنية المبدعة؛ فتقود بكل جدية وثقة، تحولات وطنية كبرى، مبنية على تراكمات مختلفة من البطولات والتضحيات المتعددة، ومختلف انتصارات العقل القومي والوطني سياسياً وفكرياً وعملياً.

قد تكون البدايات لهذه التحولات الكبيرة، هي بدايات بسيطة ومتواضعة جداً، لكنها عظيمة جداً بمصداقيتها واختلافها وتميزها عن مشاريع الآخرين.

في مرحلة مفصلية حساسة، اختارت بدايات مساراتها العملية والفكرية والسياسية، وهذه البدايات الواضحة ستظل تتحكم بنتائج تلك المسارات وتطوراتها المختلفة.

فالعميد طارق صالح، على غرار هذه المسارات البطولية الواضحة، التي حددت مسارها في مراحل حساسة ومعقدة، وتميز واختلف عن التوجهات والمشاريع المتعددة، فقد اختار مسار المواجهات العملية وتحقيق انتصارات حقيقية.

فهو الذي اختار أرض المعركة، بديلاً عن القصور والفنادق بالخارج، يختار اليوم وضع الرؤية السياسية والاعتراف بالأخطاء والحوار والتفاهم بدلاً عن المبالغات والمغالطات والمجاملات والمزايدات.

ما قاله العميد طارق لصحيفة الأندبندنت عربية، يعبر عن قائد عسكري يمتلك رؤية سياسية وطنية، وما زالت هذه الرؤية تأخذ وقتها الطبيعي في التبلور والنضوج أكثر وأكثر.

واجب الجميع الالتفاف حول هذه المبادرة، والمساعدة على إنضاجها أكثر، وإنجاحها كما ينبغي..

فلن يكون بإمكان أحد خوض معركة وطنية بدون قائد ملهم، يستطيع أن يفتح أفقاً جديداً، ولديه القدرة والجرأة والموهبة لبلورة رؤية سياسية وطنية واضحة.

كل معاركنا السياسية والعسكرية التي كانت وما زالت بلا رؤية واضحة، انتهت بلا شيء يُذكر سوى مآس وأحزان وخذلان، وتساوت انتصاراتها وانهزاماتها.

بدون رؤية سياسية وطنية واضحة، سنظل ننتقل من فشل إلى فشل أكبر، ونظل ندفع الثمن دون أي فائدة أو محصلة، ونسمع ونعيش الجعجة، ولا أمل حقيقي بأنه سيكون هنالك طحين، إلا من باب الإسراف بالأوهام والمبالغات التي تتبخر في لحظة، ونكتشف حينها كم نحن ضفعاء نقتات أوهاما، ونبني منها قصورا، فتنهار على رؤوسنا وتتركنا ضحاياها؟!
استطاع العميد طارق، أن يسير بنا في اتجاه مختلف؛ بحثاً عن الطريق الصحيح، ومحاولة جادة للسير بالمسار الوطني الحقيقي، في مرحلة من التخبط والتيهان وضياع الطريق والافتقار المُلح للرؤية، كطوق نجاة لضياعنا وتشظينا.

من حيث المبدأ استطاع العميد طارق، وضع الأطر الوطنية العامة لهذه الرؤية السياسية الجديدة، وتحديد محاورها الرئيسية، والتعبير عن ملامحها العامة، بكل ثقة ووضوح، وبنی على تراكمات وطنية حقيقية، وبحس عسكري وسياسي غاية في الذكاء والنباهة.

نحتاج إلى إدراك هذا النجاح والتقدم الذي وصلنا إليه، والاحتفاء به، وتقديره كما ينبغي، بعيداً عن المغالاة والمبالغة، واللا مبالاة.

فالمطلوب منا هو إثراء هذه الأفكار بالحوار الحقيقي، والنقاش المسؤول، بل والنقد الإيجابي والبناء لإحداث التعمق المطلوب، والوصول إلى خلاصات أكثر نضجاً، وإحداث التطورات الكبيرة للأفكار والرؤى التي تقود التحولات الوطنية الكبرى.

لاتحدث النجاحات الوطنية، بتحولاتها ونتائجها العظيمة؛ إلا بالبناء على النجاحات الحقيقية، والحفاظ على تراكماتها، ودعم وتفاعل والتفاف شعبي ونخبوي، لمساراتها ومراحلها بالإثراء الحواري، والنقد الإيجابي والتطوير الفكري، بعيداً الجمود والتمجيد والمزايدة، وبعيداً عن العدمية والجحود.

فهل نحن جميعاً كنخب، نستطيع أن نثبت في هذه المعركة الوطنية، ونقاتل ببطولة وشرف، ونبادر ونعطي بكرم، وأن نكون عند المسؤولية الوطنية والأخلاقية، بترفعنا عن الحسابات الضيقة والأفكار المتخلفة؛ فنكون عاملاً إيجابباً، ورافعة وطنية حقيقية لإنضاج الرؤية السياسية الوطنية الشاملة، فننقذ الوعي السياسي والثقافي الوطني؟!!