د. حمود العودي

د. حمود العودي

تابعنى على

حكم السلطة في الإسلام بين الأصل الشرعي والتوظيف السياسي (4-4)

Tuesday 05 March 2019 الساعة 08:13 am

 

أخطاء السياسة الملوثة والتقولات على دين الله (3 - 4)

أدعياء الدين في خدمة السلطة (2 - 4)

إلى الحركة الإسلامية اليمنية: ولدتم تابعين وشِبتم عاجزين‬ (1 - 4)

رابعاً: حكم السلطة في الإسلام بين الأصل الشرعي والتوظيف السياسي

إن القراءة السياسية الموضوعية لمضمون نص بيان "الجمعية والهيئة" كسياسة وبعيداً عن جوهر دين الله الحق من جهة؟ وكيف ينبغي التعامل مع مثل هذه البيانات والفتاوى من جهة ثانية؟ وما هو الأصل في الخطاب الديني والإسلامي الحق ورأيه في مثل هذه المحنة التي تمر بها ثورة يمن الإيمان والحكمة من جهة ثالثة، وما ينبغي على دعاة الدين وعقلاء الدنيا أن يتبينوه ويقوموا بواجبهم فيه ومسئوليتهم نحوه فهو ما يمكن تحديد أهم معالمه كرأي في جوهر الدين لإصلاح ما أفسدته السياسة، رأي يحتمل الصواب بقدر ما يحتمل الخطأ وليس حكماً شرعياً أو فتوى دينية بالتحليل والتحريم أو التجريم والتكفير مما دأب عليه دعاة وأدعياء الدين بغير حق لخدمة ما قد فسد من السياسة، وباختصار في الآتي:

القراءة السياسية لبياني "الجمعية والهيئة" (خلاف في الشكل واتفاق في المضمون).
خلاف الشكل على السلطة في البيانين أو الموقفين بشكل عام واضح من العرض السابق، أما الاتفاق بينهما على المضمون المكرس للحكم الفردي المطلق باسم الدين فهو الأهم وما ينبغي الكشف عنه، فكلا الموقفين يؤكد حرمة الخروج على الحاكم الفرد، مع تغليف موقف "الجمعية" بفكرة العموم والإطلاق بقصد غض الطرف والتستر على مفاسد السلطة وطغيانها بحجة غير منظورة هي أنها لم تأمر بعد بالمعصية وتعلن الكفر البواح، وهو الشرط الجوهري والمتفق عليه ضمناً لدى الطرفين سياسياً وفقهياً خارج المقاصد الشرعية الحقة، في مقابل موقف "الهيئة" القائل بالعدل واستكمال شروط الولاية كشرط لحرمة الخروج على الحاكم، في محاولة منها لإبراز ما تسترت عليه الجمعية من مفاسد السلطة وتبرير الخروج عليها والحلول محلها، لا أقل ولا أكثر.

أما مقولة "تحقق الإجماع في حرمة الخروج على الحاكم العادل" والمستوفي لشروط الولاية الشرعية (في بيان الهيئة) فهو الكلام المطاط الذي بدأ من ألف سنة ولم ينتهِ بعد، لأنه لا يعدم أحد من طغاة الأرض من أن يصف نفسه بالحاكم العادل أو يجد من يفتي له به، بدءاً من يزيد مروراً بجنكيز خان و"السيسي" وأمثالهم اليوم، تماماً كشرط المستحيل للأصل المتفق عليه بين الطرفين بحرمة الخروج على الحاكم الظالم مهما فسق وبغى وطغى ما لم يأمر بالمعصية ويعلن الكفر البواح، فأي حاكم هو من السذاجة والغباء يمكنه فعل ذلك أو يضطره إليه حتى يتوفر شرط المستحيل هذا للخروج عليه!! إنه الإسلام السياسي وليس سياسة الإسلام.

وهكذا فالقراءة الحقيقية للموقفين تؤكد الخلاف والصراع على الاستيلاء على السلطة بأية وسيلة لصالح أي منها كفرد خلاف مقتضى الشرع وحكم الدين الحق فيها للجماعة، لا على كيفيتها ومضمونها الجماعي الديمقراطي المؤكد بمقتضاه، وإلا لماذا يكرس مفهوم الفرد باسم "ولي الأمر" الذي لا أساس له من كتاب أو سنة، ويغيب مفهوم الجماعة "أولي الأمر" كحق ثابت لحكم السلطة في الإسلام، وأين مفهوم الشورى والديمقراطية كأصل أثبت لحق مجموع الناس في اختيار جماعة أولي الأمر منهم بمقتضى أصل هذا الحق في نص كتاب الله القائل {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}، بل وأين المشترك الإنساني اليوم لحقوق الإنسان والدولة المدنية والمجتمع المدني الحديث ذي السطوة والمنفعة والثورة والمنادى به في ساحات الوطن اليمني والعربي والعالم بأسره، وأما آن لجحور الظلم والظلام أن تتكيف مع النور أو ترحل؟؟

* التوظيف السياسي للدين ليس من الدين في شيء.

إن كل ما دار ويدور من جدل التوظيف السياسي للدين هو ليس من دين الله الحق في شيء، وعلى كل إنسان مسلم عاقل مؤمن أن يحذر الفتنة فيما يقال، وأن لا يسلم عقله وضميره وفعله له، لا لمجرد أن شبهته وتبعيته لأغراض السياسة ثابتة، بل ولأن كل مسلم عاقل مؤمن هو المسئول وحده عن دينه وعمله بمفرده أمام الله في الدنيا والآخرة، دون وصاية لأحد أو ركون إلى فتوى من أحد، فليس في الإسلام رجال دين أو وسطاء أو أوصياء على ضمائر الناس وعلاقتهم بربهم، إذ لا توسط قط بين علاقة العبد بربه في الإسلام، فلا مرجعيات الكهوف الغابرة ولا فتاوى السياسة المغرضة من الإسلام في شيء، لأن كل ذلك لا هوت وكهنوت ما جاء الإسلام إلا ليدحضه ويحرر الإنسان من طغيانه.

* بعض دعاة الدين وكثرة أدعيائه صاروا جزءاً من المشكلة بدلاً من الحل

إن الكثير من دعاة وأدعياء الدين بحق وبدون حق لم ينزلقوا في أطراف الفتنة السياسية القائمة كأتباع فحسب، بل وأوغلوا في تسعيرها بدلاً من إخمادها، وصارت تحكمهم بدلاً من أن يحكموا هم عليها، وصاروا أسرى مطامعها أو خوفها، إلا من رحم ربي، وبالتالي صاروا ظهيراً لها على الشر والخطأ، بدلاً من أن يكونوا عوناً لها على الخير وتفادي الشر والتزام جادة الحق والصواب، وغاب عنهم مبدأ تقديم دفع المفاسد العامة على جلب المنافع الخاصة فيما نحن فيه اليوم من محنة الوطن، وصاروا جزءاً من المحنة والمشكلة بدلاً من الحل، فاُنتقص بذلك واجبهم الديني والوطني أمام الله وخلقه، فَهَلاَّ استيقظت ضمائرهم وبيضة إيمانهم في دينهم فسألوا أنفسهم عما يجب قوله وفعله من الحق في ساعة العسرة هذه، قبل أن يسألهم الله والناس يوماً عما يقولونه ويفعلونه بغير حق!! و{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.

* القاعدة العامة في الشرع هي جلب النفع ودفع الضرر العام

إن الأصل الأول والأخير في جوهر الشرع الإسلامي بشكل عام بل وفي جوهر كل الشرائع السماوية والأرضية العادلة سواءً فيما يتعلق بحكم السلطة أو غيرها هي قاعدة جلب النفع للناس ودفع الضرر عنهم، وهي القاعدة التي يستطيع معها كل إنسان عاقل، مسلم كان أم غيره أن يتعرف عليها ببساطه ويعمل بها في تعامله مع نفسه ومع الغير، أما ما عدا ذلك من كل ما سبق من أقوال أو أفعال البشر فهي مجرد اجتهادات تحتمل الصواب النافع بقدر ما تحتمل الخطأ الضار، وبحسن نية أو بدونها، ومسئولية الإنسان العاقل المؤمن هي أن يتدبر ويجتهد بنفسه في استقراء الصواب النافع والأخذ به، والخطأ الضار وتجنبه والوقوف ضده بقدر المستطاع، سواءً بالنسبة للسلطة أو غيرها، فحيثما حلت المنفعة أو المصلحة وانعدم الضرر فثم شرع الله.

* السلطة في الإسلام حق مطلق لمجموع الناس لا أفراد منهم

إن حكم كتاب الله وسنة نبيه وخير من اتبعه من خلقه في السلطة بالذات هو أنها حق جماعي للناس بالمطلق، وما من "ولي أمر" فرد قط في الإسلام، وآليتها الشورى والديمقراطية، عملاً بقوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}، ومصداقاً لسنة خير أول خلف سيدنا أبي بكر، رضي الله عنه، لخير أول سلف سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، بقوله يوم ولايته "لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم"، ومن حق بل وواجب كل مسلم أن يتدبر هذا الحق الذي أعطاه الله له بنفسه لنفسه، ويدافع عنه مع كل من يلتقي معه في جلب النفع ودفع الضرر العام والخاص من خلاله سواءً فيما يتعلق بالسلطة بشكل خاص أو غيرها من شئون الحياة الاجتماعية بشكل عام.
تعالوا إلى كلمة حق في وجه حاكم ظالم.

والسؤال الأخير لدعاة الدين لا أدعيائه؛ هو: ماذا لو التقيتم مع غالبيه الناس على كلمة الحق الموجهة لرؤوس السياسة والسياسيين من الأخوة الأعداء جميعاً من رضاعة العنف والفساد، والمحجلين بلون الدم الأحمر "اسماً على مسمى" ونقول لهم كلمة حق معاً، أما كفاكم حكمنا بغير حق لما يقرب من نصف قرن مضى، أما شبعتم ثراءً من مال حرام يخصنا، أما ارتويتم من دمائنا في فتنكم وحروبكم علينا وفيما بيننا، بدءاً من تجارة حروب الارتزاق على هامش الصراع الملكي الجمهوري بعد الثورة، مروراً بحروب التشطير المباشرة وغير المباشرة، وانتهاءً بحروب شرعية النهب والتدمير من أقصى جنوب الوطن إلى أقصى شماله، أما كفاكم كل هذا العبث بنا وأنتم متفقون علينا إلا أن تصروا اليوم في خلافكم على الاقتتال بنا وعلينا في الساحات والحارات والطرقات وحتى بيوت لله وبدم بارد، لا لشيء إلا أن بعضكم يصر على اختصار مجموعكم في واحد، والبعض الآخر يريد إحلال واحد مكان واحد، ونحن نقول لكم "سلماً وسلاماً" من أجلنا وأجلكم إلى هنا وكفى، كفوا عنا فتنتكم واذهبوا بفسادكم "ودعونا نتدبر أمورنا بسلام"، وعفا الله عما سلف، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

فندفع بذلك شرهم عنا ونعينهم على شرور أنفسهم من أنفسهم، عملاً بقول نبينا الكريم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل يا رسول الله وكيف ينصر الأخ أخاه ظالما؟ قال بأن يمنعه عن ظلمه"، وما من عمل يقربنا إلى الله أفضل من قول كلمة حق في وجه حاكم ظالم كهذه، وأنتم قد فشلتم في قول كلمة الحق هذه التي يلزمكم بها دينكم ونبيكم وقلتم بخلافها باطلاً وزوراً وبهتاناً ونسيتم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم.

وها هم قد اتفقوا علينا وعليكم مؤخراً وخلاف ما دعوتم وأفتيتم به للطرفين، واجتثت كل كلماتكم الخبيثة وفتاواكم الخاطئة من على وجه الأرض في منابر الساحات والميادين والمساجد وقنوات التلفزة والصحافة، وبعد أن {تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}، دون أن يستأذنوكم في شيء، فأين ستذهبون بأكفانكم التي أشهرتموها على المنابر وفتاواكم التي سطرتموها على الورق ولم تجد لها طريقاً إلى عقل أو ضمير أحد من عباد الله الصالحين، ولو كنا قلناها كلمة حق لظلت كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فهل سنجانب بذلك الحق والصواب في دين الله؟ أم سنكون في الموقف الصحيح الذي يوجبه علينا ربنا ونبينا وديننا أن نكون فيه ويرضى به عنا ونحفظ به دماءنا وأعراضنا جمعيا ووطننا؟ أقلدكم الله!! فهل نتعلم الدرس جيداً؟ لأن "الجيات أكثر من الرايحات".

واللهم إني بلغت، واللهم فاشهد..

انتهى (4-4).