أمين الوائلي

أمين الوائلي

تابعنى على

على سبيل الاعتذار والشكر لحذاء جندي مجهول

Sunday 14 April 2019 الساعة 07:52 pm

تلتقط قصصاً لن يعرفها الناس وحكايات لا تصل إليهم من حوارات قصيرة وتحادث عابر مع جنود تلتقيهم صدفة أو في سفر ذاهبين أو عائدين لكل واحد منهم روايته الخاصة وبطولاته ومعاركه وفتوحاته وأوجاعه ويومياته المحكومة بالتماس وبالذكريات الحميمية والأليمة تخص رفاقاً سقطوا في القرب وكانوا أبطالاً حقيقيين يرحلون ويترجَّلون بفدائية ورجولة ولن يعرف عنهم أو يسمع بهم أحد.

مهما حاولت لن تتقمَّص حالة وظروف ومزيج جندي يعيش يوماً بيوم، ولا يعرف ما إذا كان سيطلع عليه يوم آخر ويعرف أنَّ الموت يقاسمه مكانه وحيّزه وحياته ويتعايش معه نَفَساً بنَفَس.

الجنود وحدهم يعرفون ويدفعون ثمن الحرب بسخاء ودون مِنَّة أو تفضُّل أو ادعاءات، أو إعلانات ممولة، أو يوميات على حائط نشر افتراضي مع جمهور افتراضي يتعاطون التفاعلات الغامضة والإشادات والنجومية ويتنافسون على حصاد رصيد أكبر من اللايكات ويخوضون صراعات وحروباً افتراضية ونضالات افتراضية، ويألمون وينزعجون وينزفون افتراضياً، ويحاربون الحوثي والانقلاب افتراضياً، ويتنازعون الأفضلية والأسبقية والأحقية والجدارة والكفاءة والرداءة والانتصارات والجهات والجبهات والحقائق والأكاذيب والأوهام والكمائن... و... و... افتراضياً.

الكثير من الجنود يدفعون حياتهم بصمت.. ويتعاقبون على البذل والتضحية بصمت. لا يعرفهم ولا يعرف عنهم ولا يسمع بهم ولن يسمع بهم أحد. فقط يدفعون الحياة عَرقاً ودماً حتى آخر قطرة في الحياة ويرحلون صامتين.

يحصد المكاسب والمناصب والمنافع والنجومية والسلطة والسطوة والثروة واللايكات والمعجبين والشاشات والندوات والسفريات والجولات والنضالات المريحة والبطولات الفارهة، القلة من السياسيين والمتسيسين والانتهازيين والمحظوظين والمراوغين والسماسرة والناشطين الكسالى والمتحذلقين، ويملأون الأرجاء ضجيجاً وصخباً وشهرة.

ويواصل الجنود التضحية والمرابطة في خطوط التماس واللهب كأبطال سماويين لا يعرفهم ولن يعرفهم الأرضيون الذين يتاجرون بحصاد بذل وتضحية وصبر ومعاناة وجلد وبطولة وآلام وإقدام الكثير الكثير من الجنود المجهولين.

واجهة ومنصات وشاشة ومذياع الإعلام تتحاشى هؤلاء وتنصرف أو تصرف للقلة الانتهازية الأنيقة المرفهة العظيمة اللئيمة والافتراضية.

الجندي المجهول جنود كثيرون آلاف كثيرة.. مئات الآلاف من الأبطال الحقيقيين المجهولين. لكنهم ليسوا افتراضيين.

ليس ثمة جندي مجهول افتراضي. 
لأنَّ الحرب حقيقة لا افتراض.

معذرة.. وشكراً.. لأحذية الجنود.