فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عن الارتباط التنظيمي بين الإصلاح وجماعة الإخوان الإرهابية (1)

Monday 29 April 2019 الساعة 11:55 pm

لم تمر سنة من السنوات الأربع الأخيرة، دون أن تسجل قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح تصريحات تتنكر فيها للحقيقة السياسية الكبيرة، المتمثلة في أنَّ هذا الحزب جزء من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأنه عندما أعلن عن نفسه في سبتمبر 1990 بمسمى جديد، لم يكن سوى امتدادٍ لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.

طالعنا تصريحات كثيرة بهذا الشأن منسوبة لمحمد عبد الله اليدومي، رئيس الهيئة العليا للحزب، وعلى لسان غيره، نشرت في غير مناسبة وتاريخ، وجميعها تثير الغرابة والشفقة معاً، على أن أهم تصريح بهذا الخصوص هو ذلك الذي ورد في البيان الرسمي الذي أصدره الحزب في سبتمبر 2016، وقال فيه: (إنه يؤكد وبمنتهى الوضوح والشفافية وقطعاً لأي تأويلات أو إشاعات، عدم وجود أي علاقات تنظيمية أو سياسية تربطه بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين). وقد صدر هذا البيان في ظل ملابسات متعددة لا تزال قائمة، ملابسات تحيط بجماعة الإخوان المسلمين، وتحيط بقيادات الإصلاح التي صارت مضطرة لمداهنة التحالف العربي وخاصة مداهنة النظام في المملكة العربية السعودية.

من بعد ذلك البيان تتالت تصريحات قيادات الحزب الوسطى عن الموضوع نفسه بصورة لافتة، كما لفت انتباهنا محاولات يائسة قام حزب الإصلاح بتجريبها لجهة إنكار العلاقة التنظيمية والفكرية بجماعات إرهابية أخرى غير جماعة الإخوان، مثل تنظيم القاعدة، كما سنرى في مقال قادم.

وفي حقيقة الأمر لا يوجد خلاف بين الباحثين اليمنيين حول وجود جماعة للإخوان المسلمين في اليمن، كما لا يوجد خلاف حول كون التجمع اليمني للإصلاح يمثل امتداداً للجماعة الأم في مصر. فمن ضمن التعريفات التي يعرف التجمع اليمني للإصلاح بها نفسه –كما نص في نظامه الأساسي- أنه "حركة تُشكل الوعاء التنظيمي لتيار الصحوة الإسلامية المتنامي..".. ويعتبر نفسه "امتداداً حياً لحركة التجديد والإصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث.."، وهي إشارة واضحة لجماعة الإخوان المسلمين الأم، ومن ارتبط بها من اليمنيين في ما يسمى حركة الأحرار.

ولكن السؤال يبدأ باللفظة الاستفهامية: متى؟ أو قل إن الخلاف بين الباحثين يدور حول الفترة التاريخية التي أسست فيها الجماعة لأول مرة في اليمن. بعض مثقفي الجماعة، وآخرون خارجون عنها، يعيدون ذلك إلى مجيء الفضيل الورتلاني إلى صنعاء عام 1947، والورتلاني جزائري، أوفدته الجماعة الأم في مصر إلى صنعاء في ذلك التاريخ، ومن خلال لافتة العمل التجاري (شركة استيراد السيارات)، تقرب من الإمام يحيى وتبرع له ببعض النصائح بعض منها تثير الضحك مثل قوله للإمام: يا مولاي، اليمن غنية بالثروات النفطية التي لا يتم استغلالها، فمادة القاز (الجاز) في بعض المناطق اليمنية تطفو إلى السطح، والناس يغترفون منها ما يحتاجون للسرج! وكانت جماعة الإخوان أرسلت بعد الورتلاني إخوانيين آخرين بذريعة التعليم، فاشتغلوا بالعمل الإعلامي لصالح حركة فبراير 1948.. تمكن الورتلاني من نسج علاقة قوية الخيوط مع معارضي حكم الإمام يحيى، وشارك مشاركة فعالة في وضع ما سمي الدستور المقدس لحركة فبراير 1948، وكان من الداعين للتخلص من الإمام يحيى، وقد قتل هذا الأخير بالفعل، وهرب الورتلاني من اليمن بعد فشل تلك الحركة الانقلابية، وقضى الإمام أحمد على معظم من لم يستطيعوا الهرب انتقاماً لأبيه.

بناءً على تلك الوقائع يرجع المثقفون المشار إليهم سابقاً وجود جماعة إخوانية منظمة في اليمن إلى تلك الفترة الزمنية. ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح، إذ هو مجرد ادعاء أو فعل دعائي مقصود لمنح جماعة الإخوان عمقاً تاريخياً في اليمن. وكثيرون هم الذين يدعون ذلك، لا يتسع المكان لأسمائهم وعرض تفاصيل ادعاءاتهم، لدرجة أنهم حسبوا القاضي محمد محمود الزبيري، أول مؤسس لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وأنه اختار لها اسم "حزب الله"، وزعم آخرون أن عبد المجيد الزنداني وعبده محمد المخلافي وعبد اللطيف الشيباني وآخرين بعد أن أسسوا تنظيم الإخوان اليمني في القاهرة نهاية ديسمبر1961، عقدوا في منزل الويسي اجتماعاً بداية عام 1962، وعرضوا على الزبيري أن يكون موجهاً لنشاطهم وأنه قبِل بذلك.

وبالمقابل يذهب بعض المؤرخين المعاصرين إلى نفي وجود جماعة للإخوان في اليمن قبل انقلاب نوفمبر 1967، الذي أطاح بالرئيس السلال ووضع مكانه القاضي عبد الرحمن الإرياني. فالدكتور أحمد صالح الصياد -مثلاً- يعتقد أنه قبل عام 1962 وبعده بقليل كان هناك أشخاص مثل عبده محمد المخلافي وغيره يرددون نفس شعارات جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، ولم يكونوا حزباً ظاهراً، وإنما يشاركون في الفعاليات مع آخرين وليسوا منفردين كعادتهم في العمل من خلال واجهات أخرى، وأن الوجود المصري في اليمن خلال الفترة 1962-1967 المعادي للإخوان المسلمين جعل إخوان اليمن لا يشكلون حزباً، ولم يظهروا كتنظيم مستقل إلا بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967، حيث بدأت العناصر التي نظمها الإخوان المسلمون في مصر مثل: عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، ومحمد السنيدار، وعبد السلام خالد كرمان (والد توكل كرمان)... وآخرين، تنظيم أعمالهم من خلال"الجمعية العلمية" التي كانت وراء التحريض لعدة مظاهرات ضد نظام الإرياني ومعارضتها كل مظاهر التنمية الحديثة.

وخلافاً للرأيين السابقين، يذهب معظم مثقفي التجمع اليمني للإصلاح، إلى القول إن بداية ظهور جماعة الإخوان في اليمن، ترجع إلى فجر ستينيات القرن العشرين. ينسب واحد من أبرز الكتاب الذين ينتمون للتجمع اليمني للإصلاح، إلى بعض الباحثين في مجال التاريخ المعاصر لجنوب اليمن اعتقادهم أن تنظيماً باسم الإخوان المسلمين قد ظهر بالفعل في عدن نهاية الأربعينيات، ولكن الكاتب أكد أن الإخوان لم يشكلوا تنظيماً خاصاً بهم حتى خمسينيات القرن العشرين، بل اكتفوا بالعمل من خلال واجهات أخرى مثل "الجمعية الإسلامية - العلمية" ورابطة أبناء الجنوب العربي، كما هو حال عمر طرموم. وعملوا على تجميع أفراد وأنصار يكونون بمثابة قاعدة لانطلاق الإطار الناظم لنشاطهم، وموضع مناسب لتحركاتهم، وفق برنامج إسلامي حركي يهدف إلى إحداث تغيير سياسي واجتماعي شامل في البلاد، ويتحرك على ضوء نظام لائحي وهياكل ومؤسسات محددة.

ويضيف الكاتب سعيد ثابت سعيد (في مشروع كتابه عن الحركة الإسلامية في اليمن إشكاليات النشأة والمسار، الذي نشر مأرب برس الحلقتين الأولى والثانية منه في أبريل 2007)، أنه بالرغم من عدم وجود تنظيم حقيقي خاص بهم في الخمسينيات إلا أن اسم الإخوان المسلمين ظل حاضراً في أذهان المواطنين في مدينة عدن. وقال إن المتحمسين لإنشاء هذا التنظيم تأثروا بجهاد الإخوان المسلمين، وسمعتهم السياسية الناصعة في مقاومة القوى الاستعمارية! وتعبئتهم الشارع العربي لإفشال المخطط الصهيوني الغربي في إقامة دولة لليهود من كل جنسيات العالم في فلسطين.

ويعيد الكاتب المشار إليه بداية نشأة الإخوان في اليمن إلى ستينيات القرن العشرين، عندما تخلى عبد المجيد الزنداني عن حركة القوميين العرب، في مصر عندما كان يدرس في طب القاهرة، وكون ما يسمى "مجموعة الحياد بين الأحزاب" عام 1960 التي ضمت ما بين 40-50 طالباً يمنياً، وبدأ بعض طلاب هذه المجموعة التفكير جدياً في إنشاء حركة إسلامية لتكون نواة لعمل تنظيمي حركي إسلامي، ملتزمة بمدرسة الإخوان المسلمين في مصر، فأسسوا حركة إسلامية لليمن كانت امتداداً للحركة الإسلامية المعاصرة، خاصة بعد اللقاء بين الزنداني وعبده محمد المخلافي. وأنه في أواخر ديسمبر 1961 اجتمع عبده محمد المخلافي وعبد المجيد الزنداني، وعبد اللطيف الشيباني وثلاثة من زملائهم في مجموعة الحياد بين الأحزاب، في شقة بحي الهرم بالقاهرة، وتعاهدوا على تكوين تنظيم إسلامي يمني فاعل يؤدي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبشر بعدالة الإسلام وأهليته الكاملة لقيادة الأمة..

وجرى بين أفراد هذه النخبة الأولى المؤسسة لمرحلة ميلاد الفكرة الإسلامية الحركية نقاش حول التسمية المقترحة للتنظيم، وكان من بين المقترحات اسم "الإخوان المسلمين"، لكن المقترح رُفض سداً لباب فناء التنظيم على يد أجهزة الاستخباراتية المصرية التي كانت تعادي الإخوان المسلمين وكل من يرتبط بهم أو يتبنى أيديولوجيتهم.. ورغم استبعاد مسمى جماعة الإخوان فإنهم كانوا قد انهمكوا على مؤلفات سيد قطب ومحمد قطب، ورسائل حسن البنا، وكتابات مصطفى السباعي، واعتبروها مصادر أيديولوجية لتحركهم الفكري والسياسي في الوسط الطلابي دون التصريح بها.

وفي الحلقة التالية ستمر بنا شهادة عبد الله العديني، الذي رأيناه، مؤخراً، يعنف الإصلاحيين بسبب هجومهم على الحركة الحوثية من باب الانتصار للنظام الجمهوري، فقال يا إخوان نحن والزنداني والمخلافي أسسنا جماعة الإخوان المسلمين لمحاربة ثورة سبتمبر الجاهلية، فما لكم تدافعون عن جمهورية سبتمبر؟ يجب أن لا تناقضوا أنفسكم، وإذا شعر الإنسان أنه سيقع في مثل هذا التناقض عليه أن يصمت!