فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عن الارتباط التنظيمي بين الإصلاح وجماعة الإخوان الإرهابية (2)

Thursday 02 May 2019 الساعة 08:24 pm

الحلقة الأولى:
> عن الارتباط التنظيمي بين الإصلاح وجماعة الإخوان الإرهابية (1)

الشيخ العديني، الذي أشرنا إليه في نهاية المقال السابق، كتب -والحماس بادٍ من كلماته- عن (عبده محمد المخلافي، الداعية الذي حطَّم طاغوت الليبرالية والعلمانية في الستينات).. وشاء من العبارات التي كتبها أسفل هذا العنوان تأكيد الرابطة الفكرية والتنظيمية بين حزب التجمع اليمني للإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر. لقد جزم أنَّ المخلافي هو واضع الأسس الفكرية والتنظيمية للحركة الإسلامية في اليمن، وقال إنَّ النظام المصري الناصري طرد المخلافي من مصر وأعاده إلى اليمن عام 1965 بسبب علاقته بالإخوان المسلمين، إذ كان يلتقي سيد قطب في منزله على الرغم من أنَّ سيد قطب كان موضوعاً تحت الإقامة الجبرية، لكن مع ذلك رسم خريطة الطريق الدعوية للمخلافي، وشبعه بالمنهج الإسلامي الصحيح، حسب تعبير العديني. ونحن نهتم لشهادة هذا الأخير لأنه شيخ إخواني مبرز وخطيب مفوه وعضو الكتلة النيابية لحزب الإصلاح في مجلس النواب.

ومثل العديني -الذي كتب تحت العنوان المذكور فوق كلمة الستينات بدلاً من الستينيات- ينظر معظم مثقفي الإخوان المسلمين المخلصين في اليمن إلى المخلافي بصفته المؤسس الحقيقي لجماعتهم، ويحلون الشيخ عبد المجيد عزيز الزنداني في المرتبة الثانية. ونهتم لقولة العديني كونها أقرب شيء إلى الصواب، على الرغم من تعارضها مع مقالات الذين يؤرخون لمرحلة التأسيس بمجيء الفضيل الورتلاني إلى صنعاء عام 1947 كما قلنا قبل، إذ إن الأخيرين استندوا إلى رواية القيادي المعروف في الجماعة الأم ومؤرخها أيضاً محمود عبد الحليم، الذي قال في كتابه (أحداث صنعت التاريخ): إن أول اتصال مباشر لجماعة الإخوان المسلمين مع معارضي الإمام يحيى تم أثناء موسم حج العام 1946، وإنه في هذه السنة اجتمع حسن البنا مع القاضي عبدالله عبد الوهاب الشماحي، ثم أرسلت الجماعة الفضيل الورتلاني، الذي تولى صياغة الميثاق المقدس، بمعرفة واطلاع ومباركة حسن البنا، والإعداد للثورة على الإمام يحيى، وذكر أن جماعة الإخوان أرسلت -إلى جانب الإخواني الجزائري الورتلاني- إخواناً آخرين للعمل تحت لافتة التعليم، لكنهم اشتغلوا بالعمل الإعلامي لصالح حركة فبراير. وقال مؤرخ جماعة الإخوان المسلمين إن الجماعة قامت باستئجار طائرة خاصة لنقل وفدها إلى صنعاء وكان مكوناً من عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة، وأمين إسماعيل سكرتير تحرير صحيفة الإخوان، وعبد الرحمن نصر مدير وكالة الأنباء العربية، وكان ضمن ما حمل الوفد معه مكبرات صوت لدعوة القبائل لتأييد الثورة. وقال أيضاً: أستطيع أن أقرر (هكذا.. أقرر) أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة قد نبتت في المركز العام للإخوان. وبعد قتل الإمام يحيى -والكلام ما يزال لمحمود- تم تنصيب عبد الله بن الوزير إماماً للمسلمين، الأمر الذي يعني أن الثورة أكدت قدرة الإخوان على إقامة الدول، وإسقاطها!

ويصل عبد الحليم محمود إلى القول إنه بعد أن تمكن ولى العهد الأمير أحمد من دخول صنعاء والتخلص من الدستوريين انتهى أي وجود للإخوان المسلمين ‏في اليمن حتى عام 1962. فبناءً على هذه الوقائع ووقائع أخرى مماثلة اعتقد بعض كَتَبة حزب الإصلاح أن أول جماعة إخوانية منظمة في اليمن نشأت في تلك الفترة الزمنية، لكن العديني دحض هذا الاعتقاد كما دحضه غيره.

بعد التوضيح السابق نعود إلى جوف الموضوع الأساسي، ونقول إن البيان الذي أشرنا إليه في المقال الأول، والذي قال فيه حزب التجمع اليمني للإصلاح إنه يؤكد، وبمنتهى الوضوح والشفافية وقطعاً لأي تأويلات أو إشاعات، عدم وجود أي علاقات تنظيمية أو سياسية تربطه بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، نقول إن هذا البيان صدر في الرياض لأسباب مفهومة، ومنذ التحقت قيادات الحزب بالسعودية، كرَّر رئيس هيئته العليا محمد اليدومي وغيره من قيادات الحزب تصريحاتهم من الرياض وتركيا وقطر، والتي نفوا فيها أن يكون حزبهم جزءاً من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، كما كتب محمد اليدومي ذلك في صفحاته الإلكترونية، وقال نفس الشيء في مؤتمرات صحفية، إحداها المؤتمر الصحفي باستانبول، ويمكن الرجوع إلى صحف حزب الإصلاح ووسائل إعلامه الأخرى -وهي كثيرة- التي وثقت مقالات اليدومي.

على أن ما يلفت انتباه المتابع أنهم حين ينفون صلة حزبهم بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، يتجنبون نفي صلته بجماعة الإخوان الأم، وهناك فارق بين الجماعة الأم وبين التنظيم الدولي عابر الدول والقارات. لكن على ضخامة الجهد الذي يبذله كبار الإصلاحيين فإنَّ صلة التجمع اليمني للإصلاح بالجماعة والتنظيم الدولي قائمة ولا قيمة لذلك النفي كما سيتضح لاحقاً.

إنهم يعتقدون أن الأرشيف العام للجماعة، وأرشيف الحزب قد مُحيا من الوجود في عصر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وانتشار الكتب. ليس أسخف من هذا الاعتقاد سوى اعتقادهم أن ذاكرات الناس تعيسة أو رديئة للغاية. وسوى هذين الاعتقادين، أيضاً، هناك أقوال وأفعال حزب الإصلاح، التي يريد هذا الحزب من الناس أن يعتبروها من قبيل المجاملات المعتادة في العلاقات بين التنظيمات والمجموعات السياسية، حتى لو وصل الأمر بهذا الحزب إلى درجة الاعتقاد أن الناس لم يعودوا يتذكرون استماتته في سبيل حكومة المرشد في مصر، وقد رأينا ماذا قال وفعل الإصلاحيون من أجل الرئيس مرسي وجماعته، ومخاصمة مصر السيسي والدنيا كلها حباً في الجماعة الأم، وسنورد في مقال تالٍ شواهدَ عن حزب الإصلاح تتعلق بالعمليات الإرهابية التي بدأت تشاهدها سيناء المصرية قبيل غروب حكم المرشد.

لم يكن الأمر مجاملات أو علاقات إنسانية، بل علاقة ارتباط مصيري، تنظيمي وسياسي وفكري.. ونحن هنا سوف ندع الوثائق تحكي.. وثائق الجماعة الأم، ووثائق حزب التجمع اليمني للإصلاح، وليس غيرهما.. بلسان مقالهم ولسان حالهم، وليس بلسان من يصنفونهم ضمن الخصوم الحاسدين أو الملاعين.

لكن قبل ذلك سنلقى قليلاً من الضوء على بعض الأسماء اليمنية اللامعة في صفحات جماعة الإخوان المسلمين. لقد ذكرنا قبل أن مثقفي حزب الإصلاح يعتبرون حزبهم امتداداً لجماعة الإخوان التي ظهرت في اليمن بداية ستينيات القرن العشرين، ويعتبرون عبده محمد المخلافي المؤسس الأول للجماعة، يليه في الأهمية عبد المجيد الزنداني. وقد كانت البداية في طنطا والقاهرة. تولى المخلافي -بعد عودته من مصر عام 1965 إدارة التعليم في لواء تعز- ثم صار عضواً في المجلس الوطني عام 1969، ثم في مجلس الشورى عام 1971، وتوفي جراء حادث مروري في جبل سمارة، وهو لا يزال شاباً، وقد شرح بعض الإصلاحيين دور هذا الرجل في تأسيس جماعة الإخوان اليمنية كما ذكرنا قبل.

بعد المخلافي تولى زمام الجماعة زميله عبد المجيد عزيز الزنداني، وهذا أيضاً صار عضواً في المجلس الوطني عام 1969، ويعتبر المهندس الحقيقي للدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية الذي وضع في نهاية ديسمبر 1970، بالرغم من أن لجنة وضع مشروع الدستور كانت تضم أيضاً المستشار حسين الحبيشي، وحسين أحمد العراقي، والسيد صبحي (مصري)، كما عُيّن عضواً في مجلس الشورى عام 1971، إلى جانب المخلافي، و18 شيخَ دينٍ و92 شيخَ قبيلةٍ معظمهم من الإخوان.

إلى جانب هذين الاثنين -المخلافي والزنداني- كان هناك قياديون في الجماعة، أكثر ثقافة منهما، ولعبوا أدواراً مهمة، وبعض منهم جمع بين الولاء للجماعة الأم والولاء لأسرة الملك عبد العزيز آل سعود، وتأثر بالمذهب الحنبلي السلفي أو ما يعرف بالوهابية، مثل القاضي يحيى الفسيل، صاحب الفتوى الشهيرة التي عبرت عن معارضة الإخوان المسلمين للنظام الجمهوري في اليمن، حيث أفتى بضرورة تطليق نساء الجمهوريين لأن عقود الزواج تمت خلافاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومن قبل أناس غير مسلمين، أي جمهوريين (قارن هذا مع قولة العديني التي سبق ذكرها، فهما من مشكاة واحدة رغم الفارق الزمني بينهما)، كما كان الفسيل المؤسس الأول لنظام التعليم السلفي - الإخواني في اليمن الذي كان يُعرف بالمعاهد العلمية الممول من جهات شعبية وحكومية في المملكة العربية السعودية، وكانت بعض كتب المنهاج هي نفسها التي تدرس للطلاب في دولة قطر (ضُمت هذه المعاهد لوزارة التربية والتعليم في العام 2001 تقريباً).

ليس بمستغرب مأسسة ذلك النظام التعليمي في عهد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي، فقد كان هناك تأثير قوي لعبد الله الحجري الذي كان يترأس حكومة، والأهم من ذلك أنه أول من أسس جمعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ستينيات القرن العشرين أسوة بالهيئة القائمة في السعودية، والحجري إخواني عتيد (بمعنى متعود، معتاد، متمرس) وقبل توليه رئاسة الحكومة كان قد عُين سفير دولة الجمهورية العربية اليمنية إلى دولة الكويت، وتم اغتياله في لندن أثناء وجوده للعلاج في أبريل 1977 لأسباب مشهورة.

هناك، أيضاً، قياديان إخوانيان عريقان من مديرية كاتب هذه السطور، الثاني منهما هو ياسين عبد العزيز القباطي (سنأتي على ذكره لاحقاً)، أما الأول فهو محمد سعيد القباطي، الذي انتُخب في مارس 1969 أميناً عاماً للمجلس الوطني، الذي ترأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وقد ذكر هذا الأخير في مذكراته أن أهم إنجازات ذلك المجلس وضع مشروع الدستور الدائم الذي استمد مواده من الشريعة الإسلامية والقرآن والسنة، واستمر هذا المجلس إلى مارس 1970، وكان عدد أعضائه 45 عضواً (حسب ما ورد في مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر -قضايا ومواقف- دار الآفاق للطباعة والنشر صنعاء- الطبعة الأولى 2007- ص 180-181). ومحمد سعيد القباطي هذا هو والد الدكتورة هدى، وقد زوجها لتلميذه عبد الملك منصور المصعبي، الذي أصبح في ما بعد أميناً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وسوف نشرحه لاحقاً عند الحديث عن الخلاف الذي نشأ بينه والمراقب العام للجماعة ياسين عبد العزيز، وعمر طرموم.

ومن بين القياديين الإخوانيين القدامى أيضاً عبد السلام خالد كرمان، الذي تولى في مارس 1971 منصب الأمين العام لمجلس الشورى الذي شُكل بدلاً من المجلس الوطني، وكان عدد أعضائه 128 عضواً، بينما اختير يوسف الشحاري ومحمد الرباعي نائبين لرئيس المجلس الذي ترأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر - وفي وقت لاحق عُيِّن كرمان وزيراً للعدل ممثلاً لحزب الإصلاح. وهناك قياديون آخرون قدامى نسبياً، لكنهم كانوا في ذلك الوقت أقل شهرة، وبرزوا في الفترات اللاحقة مثل: عبد الملك الطيب، عبد الرحمن العماد، عبد الوهاب الآنسي، والرائد محمد عبد الله اليدومي الذي صار مسئولاً كبيراً في الأمن الوطني- المخابرات.

بعض الأحياء من المذكورين قبل قليل يتصدرون مهمة نفي علاقة حزب الإصلاح بجماعة الإخوان المسلمين الأم، وهم إخوان صميمون عتيدون، وليس من بين متصدري هذه المهمة الشيخ الزنداني.

ربما سأل سائل لماذا يكلف قياديو حزب الإصلاح أنفسهم عناء كذب لا يُصدق في سبيل نفي ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي؟ فحزب الإصلاح في الأولى والعقبى حزب موجود في دولة اسمها الجمهورية اليمنية، التي لا تعتبر الإخوان جماعة إرهابية... الجواب على سؤال كهذا أسهل من أكل العصيد، وسيأتي.. لكن دعونا نعيد التذكير بشواهد ووقائع أخرى تثبت أن قيادات حزب الإصلاح كانت تؤكد أن حزبها جماعة إخوان، وكانت تفاخر بذلك، بل يفاخر بهذا اليوم بعض رجال ونساء الإصلاح الذين لا يضعون في الاعتبار الحاجة لإرضاء المملكة السعودية ودولة الإمارات ودول الخليج الأخرى.

.... يتبع