فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عن الارتباط التنظيمي بين الإصلاح وجماعة الإخوان الإرهابية (3)

Tuesday 07 May 2019 الساعة 07:25 pm

في المقال السابق أشرنا إلى أسماء بعض أبرز وأقدم قيادات جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وعلاقتهم بالجماعة الأم في مصر، ومر بنا ذكر الخلاف الذي حدث بين المراقب العام للجماعة ياسين عبد العزيز القباطي، وكل من عمر طرموم وعبد الملك منصور المصعبي.

يعنينا من هذا الخلاف ما يتضمنه من تأكيد الارتباط الوثيق بين الجماعة الفرعية في اليمن والجماعة الأم في مصر، ودلالته الواضحة التي تؤكد أن حزب التجمع اليمني للإصلاح، هو امتداد لجماعة الإخوان في اليمن، واستمرار ارتباطه بالجماعة الأم في مصر. ففي مطلع ثمانينيات القرن العشرين احتدم الصراع بين قيادة جماعة الإخوان في اليمن، وانقسمت القيادة إلى أفرقاء ثلاثة:

* الفريق الأول، تزعمه ياسين عبد العزيز القباطي، الذي كان حينها المراقب العام للجماعة في اليمن (المراقب العام للجماعة على المستوى القطري يقابله على المستوى العام المرشد العام للجماعة الرئيسية أو الأم، ويعتقد أن ياسين القباطي ما يزال إلى اليوم المراقب العام، بالرغم من أنه عين نائباً لرئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح عام 1990).

* أما الفريق الثاني، فكان يقوده عبد الملك منصور المصعبي، الذي كان في ذلك الحين الأمين العام لجماعة الإخوان في اليمن، بفضل الدعم الذي كان يحظى به من قبل بعض القيادات الإخوانية التقليدية، وسبق القول إن القيادي الإخواني العريق محمد سعيد القباطي كان يقدر المصعبي، وحباً فيه زوجه ابنته هدى.

* الفريق الثالث، تزعمه عمر طرموم، وهو من قدامي الإخوانيين في اليمن (ولمزيد من المعلومات عن عمر طرموم، راجع، سعيد ثابت سعيد: الحركة الإسلامية في اليمن إشكاليات النشأة والمسار). وعلى تجربته الطويلة مع الجماعة مال طرموم في ذلك الوقت نحو النزعة الوطنية التي تتعارض مع الفكرة الأساسية لدى الإخوان، وهي أن بلاد المسلمين جميعها تعتبر واحدة في ظل خلافة إسلامية منشودة. إذ كان طرموم يطالب بفصل جماعة الإخوان المسلمين في الجنوب عن جماعة الشمال، أو على الأقل أن تكون هناك قيادة مستقلة لجماعة الإخوان في الجنوب منفصلة عن القيادة القائمة التي تمثل كل الجماعة في الشمال والجنوب.

لكن الخلاف الكبير كان بين الفريقين الأول والثاني، وقد تطور إلى أزمة تنظيمية داخل الجماعة، انتهت بها إلى الاستنجاد بقيادة الجماعة الأم في مصر. وبالفعل تم الاتفاق على أن يعرض الخلاف بين الفريقين على الجماعة الأم في القاهرة. قالوا لقيادات القاهرة: نحكمكم. لكن قيادة الجماعة هناك لم تقم بالتوفيق بين الفريقين، أولم تحكم في الخلاف حكماً مركزياً، بل اقترحت على الفريقين أن يتم عقد اجتماع في صنعاء لمجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ليتم انتخاب قيادة جديدة للجماعة، ورأت أن هذه هي الطريقة المناسبة لإنهاء الخلاف. ولأن مجلس شورى الجماعة في اليمن كان يضم أغلبية مناصرة للقباطي بوصفه المراقب العام والموجه الحقيقي للجماعة، فقد استبق هذا الفريق الذي يتزعمه ياسين القباطي اجتماع مجلس شورى الجماعة في صنعاء، بإصدار تعميم وجهه لجميع أعضاء الجماعة في كل المستويات التنظيمية، يأمرهم فيه بمقاطعة الأمين العام عبد الملك منصور المصعبي وأنصاره. أن لا يتم التعامل معهم، وأن لا يقبلوا عقد لقاءات معهم..

تعميم المراقب العام القباطي تضمن أيضاً توجيهات بمقاطعة عمر طرموم وجماعته الذي ذكرنا أنه كان يطالب بقيادة مستقلة لجماعة الإخوان في الجنوب منفصلة عن القيادة في الشمال.

كان فريق القباطي هو الأقوى تأثيراً في الجماعة، فلم يجد عبد الملك منصور المصعبي الأمين العام للجماعة، خياراً آخر لقهر خصمه، سوى إعلان انضمامه إلى رئيس الجمهورية العربية اليمنية علي عبد الله صالح، وزيادة في تعزيز الثقة قدم له المصعبي قوائم سجل فيها أسماء القيادات الإخوانية التي تتولى مناصب عسكرية، كما كشف بعض مصادر تمويل الجماعة، وصار عبد الملك منصور المصعبي محظياً للرئيس علي عبد الله صالح، وعينه في وقت لاحق أميناً عاماً مساعداً للمؤتمر الشعبي، ووزيراً للثقافة والسياحة، ثم سفيراً في تونس، ثم مندوباً لليمن في الجامعة العربية، وفي مارس 2011، تخلى عن صالح وحزبه، وانحاز لحزب الإصلاح، ثم عدل عن ذلك لاحقاً.

لقد أوردنا هذه الواقعة هنا شاهد صدق من بين شواهد سبقت وأخرى سوف تلي، كلها يدفع البيانات والتصريحات السياسية التي تكرها قيادات حزب الإصلاح العليا والوسطية منذ الفترة التي أعقبت عاصفة الحزم، وحتى اليوم: التجمع اليمني للإصلاح لا تربطه علاقة تنظيمية أو سياسية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. لا علاقة لنا بجماعة الإخوان المسلمين. لسنا إخوان مسلمين!

كانت هذه المحاولات -وما تزال- محفوفة بصعوبات شتى، لأن موضوعها الأساسي نفي حقيقة فكرية وتنظيمية وسياسية كبيرة. هي محفوفة بصعوبة مردها إلى حقيقة أن الحزب هو امتداد لجماعة الإخوان المسلمين التي يقول بعض كتاب الحزب أنها أسست عام 1961، وكانوا قبيل عملية عاصفة الحزم يجهدون عملياً -وليس بالمقالات والبيانات فحسب- لتوكيد الارتباط الفكري والتنظيمي والسياسي بجماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر.

ومن جهة أخرى أن هذه المحاولات تتم في ظل ملابسات جديدة معروفة، ولذلك يسهل على المتابع الدقيق ملاحظة عدم مصداقيتها، فقيادات هذا الحزب تدرك أهمية نيل رضا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى، وتعتقد أن نفي علاقة الحزب بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين فيه الكفاية، ومفهوم لماذا هي لا تستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك؟ مثل الالتزام بعدم تسخير الحزب لخدمة أهداف أي طرف من أطراف الصراع الإقليمي، والكف عن دعم التنظيمات المتطرفة في البلدان المجاورة، والتأكيد –من خلال الخبرة اليومية المباشرة- على اتخاذ تدابير حقيقية للتخلي عن التطرف الديني أو ثقافة التكفير، وتمييز حزب الإصلاح نفسه عن جماعات الإرهاب والعنف المسلح بوصفه حزباً سياسياً مدنياً. لم يقدم حزب الإصلاح على شيء من ذلك، ولا هو الذي أكد بوضوح أن علاقته التنظيمية والفكرية والسياسية بجماعة الإخوان المسلمين الأم وتنظيمها الدولي أصبحت من الماضي.

فبدلاً عن التصدي لهذه القضايا بشجاعة، يتقنعون بأقنعة خفيفة في أوقات وأماكن مكشوفة أمام شعاع الملاحظة، وتبلغ الصعوبة إلى درجة أنهم في الوقت الذي يجهدون أنفسهم مضطرين لإرضاء السعودية مثلاً من خلال الادعاء أنهم ليسوا إخواناً ولا ولا ولا، لا يستطيعون فك ارتباطهم بالجماعات الإرهابية، وهذا مفهوم بحكم أن الأيديولوجية الدينية المتطرفة تعتبر رابطة أساسية بين الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية وتنظيم القاعدة وجماعة أنصار الشريعة، وحتى داعش، وتسهل ملاحظة عدم وجود تمايز واضح في خطاب هذه المجموعات لأن منابعه الفكرية والثقافية والسياسية واحدة، وحتى الخصوصيات التي يتميز بها أي طرف من هذه المجموعات تكاد تتلاشى في الظروف التي تجد أنفسها فيه بحاجة للتشارك في خندق واحد، حيث يتنازل كل طرف عن خصوصيته لصالح ما يسمونه العمل الإسلامي المشترك، وعلى كثرة الشواهد على متانة هذا الارتباط، سوف نختار عينة منها في مقال تالٍ، لكن ليس قبل شهادة الشيخ الأحمر التي ستكون موضوع المقال القادم.