حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

المملكة والتأثير المحتوم على مصائر اليمن

Tuesday 28 May 2019 الساعة 11:16 pm

التوقعات والقراءات للأوضاع والمصائر الممكنة في اليمن (ومنها مصير جماعة الحوثي)، جميعها لا يمكن إلا أن تكون محكومة بحقائق ومعطيات الواقع الجيوسياسي للمنطقة الماثل أمامنا، ومن هذه الحقائق أن دولة كبيرة اسمها المملكة العربية السعودية تنتج ما يزيد على 12 مليون برميل نفط يومياً، تقع على الشمال من اليمن بشريط حدودي طويل.
وطالما ظلت السعودية، بشكلها ونظامها السياسي، وامتدادها الجغرافي، وثقلها الإقليمي والدولي الذي هو، في جانب كبير منه، انعكاس لثروتها النفطية الهائلة - أي طالما ظلت حقيقة حية ومستمرة، فمن غير الممكن ألا تتأثر بها كل التطورات السياسية والمصائر في اليمن، ومن غير الممكن ألا تعمل السعودية في اليمن على ممارسة النفوذ والاختراق والسعي لتوجيه الأحداث والمشاركة في ضبطها بما يتفق ومصالحها الأمنية والسياسية والجيوثقافية.

وحتى تلك التطورات والانتقالات العظيمة التي تمت اليمن خلال القرن الماضي بمعزل عن الإرادة السعودية وضدا على خياراتها، مثل الثورتين الجمهوريتين في شمال وجنوب اليمن في الستينات، أو اتفاق الوحدة اليمنية عام 1990، لم تنجُ من التأثيرات السعودية في أوقات لاحقة وبوسائل لا حصر لها، إلى أن تمكنت في الأخير من النفاذ إلى البنى والترتيبات الناشئة عنها واحتوائها أو اختراقها من داخلها بما يمنعها من أن تشكل تهديداً لمصالحها وأهدافها.

المعنى من ذلك هو أن التوقعات والقراءات للأوضاع والمصائر الممكنة في اليمن، مبنية بالضرورة على الافتراض بأن السعودية ستبقى على المدى المنظور حقيقة كبرى قائمة في الجوار، ولا سبيل إلى تخيل مآلات الصراع هنا كما لو أنها لا وجود لها في شمال شبه الجزيرة العربية.

أما لو أطلقنا العنان لخيالنا، وافترضنا أن السعودية في لحظة ما قد يطالها التفكك والزوال، كما يأمل أعداؤها، فلا شك أن التوقعات والسيناريوهات ستتغير بالكامل ليس في الشأن اليمني فحسب بل في شؤون المنطقة بأسرها.

مع العلم أن الحكام والسياسيين اليمنيين والفاعلين، حكوميين وغير حكوميين، على مدى الأعوام المئة الماضية، لم يتمايزوا إلا من حيث كيفية الاستجابة ونوع التفاعل مع هذه الحقيقة العملاقة وتبعاتها السياسية والاقتصادية الضاغطة. وأما المعيار الحقيقي بالنسبة للحكام، المعيار الذي يشهد بصلاحية هذه الاستجابة السياسية وفساد الأخرى، يتحدد من نتائجها العملية، وقدرة من يتبناها على مراوغة التأثير السعودي الحتمي وتقليل مخاطره ونتائجه المؤذية بواسطة مزيج من الصرامة والمرونة والدهاء والحكمة السياسية. فالحاجة تفرض مغافلة وتضليل هذه الحقيقة الثقيلة الساحقة المتمثلة في السعودية، والحاجة تفرض شيئاً من المداجاة والتصرف بحس وطني لصالح اليمن ما أمكن، فهو ليس بالمتهور الفظ الذي تفضي حماقاته إلى التهلكة، ولا هو بالمستعبد الذليل المسلوب الإرادة.