عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

الهوية.. في مرحلة ما بعد الأيديولوجيات وأزماتها

Wednesday 05 June 2019 الساعة 02:56 pm

من حيث تركيبة الأيديولوجيا، وطريقة وأساليب عملها، ومشاكلها الأساسية بشكل عام، فهنالك عدة أمور وملاح عامة تتشابه فيها، بملامح أساسية وجوهرية تتفق فيها وتتوحد مساراتها بنفس الطريقة، مهما اختلفت بتفاصيلها وشكلياتها وادعاءاتها المختلفة والمتناقضة يساراً ويميناً.

أولى هذه الأمور والملامح العامة الجوهرية هي: الحالة الثورجية بصنع عدو أساسي ثم أعداء مختلفين فتواصل صنع الأعداء على كل المستويات، حتى تصل إلى داخل بنيويتها وتركيبتها بطريقة مبالغ بها، مهما كانت اللافتات الأساسية لها: دينية، أو وطنية، أو قومية، أو اجتماعية، أو حتى قيم أخلاقية وإنسانية.. وفق مزايدات تثويرية مبالغة جداً، للتأثيز على البسطاء والنخب كذلك وتوظيفهم في مشروعها، بطريقة متطرفة وبادعاءات أحقية السلطة بشريحة أو فئة معينة.

الأمر الثاني العنف، وهو مبني أساساً على الحالة الأولى، فالتطرف الفكري والمبالغة بأي قيم وطنية او دينية او قومية أو اجتماعية، أو أي قيم اخلاقية، يولد العنف المادي، وبالتالي يكون العنف المادي حصيلة للعنف والتطرف الفكري من حيث الرؤى والأفكار الأساسية التي تبني عليها الأيديولوجيا منطلقاتها.

هكذا تجد بأن الأيديولوجيات والمؤدلجين لا يهم صحة أو خطأ المنطلقات الأسياسية لأيديولوجياتهم، من حيث وزنها وتقييمها بشكل منصف دقيق وعادل، لأنهم يعرفون بأن الدقة والموضوعية والرؤى الأكثر اتزاناً، سيكون حظها أقل تأثيراً على الاجتماعي والسياسي والشعبي بل حتى النخبوي أحياناً.

بعبارة أخرى كل الأيديولوجيات تسعى للحكم والسلطة، ولن تصل إلى هذا إلا من خلال قوة تنظيمية او اجتماعية وشعبية، ولن تحصل على هذا إلا بتهييج المجتمع والجمهور، وصنع أعضاء أكثر نزقاً وتغييباً للعقل والتفكير السليم، وبُعداً عن المنطق، وبالتالي فهي ترى بأن التطرفات والأخطاء والانحرافات الفكرية هي رأسمالها، لذا هي تدافع عن الأخطاء بكل ما تملك.

الأمر الثالث، العمالة.. الوضع الطبيعي لمختلف القوى هو علاقاته الطبيعية مع المجتمع الداخلي او الخارجي، على حسب المصالح المشتركة والمصير الواحد، تقول وتعمل بهذا المنطق بكل وضوح.. تظل توجد اختلالات ومشاكل موضوعية تسعى لحلها ومعالجتها، مهما تعقدت فإنها تارة تجد انفراجات وتارة تعقيدات، على خلاف مواقف الأيديولوجيا التي تسلم كل أمرها لطرف دولي وتتبنى ثقافته ومواقفه وتكون أجندة له يتحكم بها كيف يشاء وأنى يشاء دون قيد أو شرط أو أي اعتبارات للاختلافات والخصوصيات الداخلية.

وعلى مستوى العلاقات والمواقف السياسية فهي ثابتة كشعارات وادعاءات وكتحول إلى علاقات طبيعية واضحة، لكنها صادمة ومفاجئة ومتقلبة كمواقف وعلاقات حقيقية تقام بسرية وراء الكواليس، كما أنه يصعب التنبؤ بمواقفها وحقيقة علاقاتها الخفية مقارنة بشعاراتها وادعاءاتها الظاهرة.

وبالتالي فإن الأيديولوجيا تعبر عن أزمة حقيقية للعقل الإنساني، وخلل حقيقي ومتاهات معقدة ومضللة، تهدم الأشخاص والمجتمعات والدول، ويجب قراءتها بموضوعية وإنقاذ العقول الضالة والمنخدعة بسرابها، وبناء العقل العربي وفق احتياجات الهوية الوطنية والقومية لمرحلة ما بعد الأيدلوجية، وفق الحذر الشديد من الوقوع في الأخطاء التي تعطي قوة للأيدلوجيا، فتحييها وهي رميم، كمحاربة الأيدلوجيا بأيديولوجيا أخرى، أو بتطرفات ومبالغات بنفس طريقة الأيديولوجيات، فإن الأخطاء هنا سوف تسبب إعاقة وتعثراً للعقل العربي وهويته الوطنية والقومية، ومن شأن هذا بأن ينعكس على الواقع السياسي والعملي للأمة برؤيتها العامة وحاضر أوطانها بتعثر معاركها المصيرية.