سمير الصنعاني

سمير الصنعاني

القتل والفساد الحوثي... طرق متعددة وهدف واحد

Sunday 23 June 2019 الساعة 10:20 am

الخلاف الذي تصاعد مداه إلى أقصى الحدود بين برنامج الغذاء العالمي ومليشيات الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، حد إعلان البرنامج تعليقاً جزئياً لمساعداته في مناطق سيطرة المليشيات، يكشف بجلاء حقيقة الممارسات الحوثية لجهة عمليات النهب والسلب والسرقة التي لم يسبقهم إلى مثلها أحد من قبل.

والحقيقة أن برنامج الغذاء العالمي قد صبر كثيراً على فساد الحوثيين وبشكل جعل الأخيرين يعتقدون أن ذلك مدعاة للإيغال في فسادهم الذي وصل مرحلة أصبح فيها يتسم بالوقاحة في أبهى تجلياتها.

يعرف الجميع أن أي سلطة تحكم في أي منطقة أثناء الحروب تعمد بشكل أو بآخر إلى الاستفادة من الحالة الإنسانية التي تخلفها الحرب لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال إنعاش اقتصاد الحرب واستثمار الأزمات لخلق الأسواق السوداء وممارسة عمليات التهريب واصطناع الأزمات، وكل ذلك بهدف الإثراء غير المشروع الذي عادة ما يستفيد منه أمراء الحروب الذين يقودون المليشيات مثل ما هو حال الحوثيين، لكن المشكلة في حالة المليشيات الحوثية أن روائح فسادها باتت تزكم الأنوف، وما تنفذه من نهب وسلب وسرقات أصبح يتجاوز حتى الحدود التي تحصل في مثل الأوضاع التي تتواجد وتعيش فيها مليشيات الحوثي.

الحوثيون منذ يومهم الأول في السيطرة على مؤسسات الدولة كشفوا عن وجههم القبيح الذي تجاوز عقلية الفيد إلى عقلية النهب الممنهج والسرقة المتعمدة والفساد المخطط له، وأثبتوا أنهم ليسوا سوى مجرد عصابة كل هدفها هو السرقة باستثمار السلطة وحتى حين وجدوا أنفسهم يمسكون بتلابيب الدولة ويتحكمون في مقدرات البلاد عجزوا عن الظهور بمظهر من يخطط للاستيلاء على السلطة لكي يقدم أنموذج حكم مختلفاً عن سابقه فأوغلوا في عمليات النهب التي ترافقت مع أسلوب تدمير ممنهج لكل ما له علاقة بمفهوم الدولة ومنظومة القوانين وطرق الحكم.

لم يمر عام على انقلابهم على السلطة حتى أصبحوا تجاراً، ولهم شركات تستثمر الأموال في كل شيء من النفط إلى الغاز إلى الأدوية إلى محلات الصرافة إلى الاستثمار في التعليم وإنشاء المدارس والجامعات الخاصة إلى مجال الصحة وإنشاء مستشفيات تابعة لقيادات المليشيات وكل ذلك مما نهبوه من أموال الدولة وما سرقوه من احتياطيات البلد من النقد الأجنبي، وما لهفوه من مرتبات الموظفين، وما استولوا عليه من مقدرات الجيش والأمن، وما سطوا عليه من أملاك خصومهم، وما تصرفوا به من أملاك وعقارات الدولة.

وخلال أربعة أعوام، ومع أن مليشيات الحوثي تزعم أنها تقود معركة وطنية ضد ما تسميه "العدوان" فإن ذلك لم يمنعها وقياداتها من أن يصبحوا من أثرياء البلد وينحتوا البيوت الفارهة، ويتطاولوا في بنيان القصور والفلل التي تقدر أثمانها بملايين الدولارات، ولنا أن نتخيل لو أنهم حكموا البلد كل هذه السنون في وضع طبيعي ودون أن يكون هناك حرب، فما الذي كانوا سيفعلونه وأين كان فسادهم سيصل؟!

وحين نتحدث عن فساد الحوثي لابد أن نشير إلى ممارساتهم الفاسدة فيما يتعلق بالمساعدات الإغاثية التي تقدمها الأمم المتحدة وبالذات عبر برنامج الغذاء العالمي ومنظماتها كاليونيسيف والصحة العالمية وغيرها، فالحوثيون الذين يدعون أنهم يحاربون السعودية والإمارات يعلمون علم اليقين أن كل المساعدات الإغاثية التي تصل اليمن معظمها إن لم يكن 90% منها مقدمة من السعودية والإمارات من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والهلال الأحمر الإماراتي، والذين يقدمون هذه المساعدات عبر منظمات الأمم المتحدة، ومع ذلك فهم يسارعون إلى نهب تلك المساعدات لصالح مجهودهم الحربي ولدعم مليشياتهم ومقاتليهم ويسرقون حقوق الجياع الذين دمروا بلادهم وسرقوا دولتهم ونهبوا رواتبهم من أجل إثراء قياداتهم التي أصبحت في غناء ظاهر وثراء فاحش ونعمة لم يسبق لغيرهم أن عاشوها.

والحقيقة التي يعرفها كل من يعيش في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية ومن يتعامل معهم من المنظمات المحلية والدولية الخاصة بالإغاثة والمساعدات يدرك أن الحوثيين فاسدون من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم وأنهم يمارسون عمليات ابتزاز يومية بحق المنظمات ويسرقون بذلك الابتزاز معظم المساعدات الخاصة بالفقراء وبشكل يختلف عن السرق والفاسدين من قبلهم وممن سيأتي بعدهم أنهم يسرقون بوقاحة، ويفسدون بعنجهية، ويمارسون الابتزاز والانتهازية بلؤم ووضاعة، ولذلك لم يعد تحدياً قادراً على مواصلة العمل معهم والسكوت على فسادهم، ولذلك وجدنا برنامج الغذاء العالمي يخرج عن صمته ويبوح بالحقيقة التي صمت عليها لسنوات بعد أن عجز عن الاستمرار في مداراة ومراضاة المليشيات الحوثية التي كانت تواجه كل تلك المداراة والمراضاة بمزيد من الصلف والوقاحة والنهب.

ولنا أن ننظر في طريقة رد فعل المليشيات الحوثية على موقف برنامج الغذاء العالمي وفضحه لفسادهم بالحملة السياسية والإعلامية التي شنوها ضد البرنامج وضمنوها دعاوى من قبل أن البرنامج يقدم مساعدات فاسدة إلى مزاعم الاتهامات للبرنامج وموظفيه بالتخابر والعمالة لدول أجنبية ومنها دول التحالف العربي وهي تهم سخيفة تؤكد مصداقية الفساد الوضيع الذي تمارسه المليشيات التي لا تتورع عن الكذب ببجاحة مع كل من يقف ضدهم أو يفضح فسادهم.

والخلاصة أن فساد الحوثي وما يمارسه من نهب لا يختلف عما يمارسه من جرائم قتل بحق اليمنيين، فهو إما يقتلهم مباشرة بالسلاح والقناصات أو الألغام أو تفجير المنازل أو يقتلهم بطرق غير مباشرة عبر الاعتقالات والتعذيب والاختطاف والإخفاء القسري أو بالفساد وسرقة مرتباتهم وافتعال الأزمات والجرع وليس انتهاءً بسرقة والسطو على المساعدات المخصصة للجياع الذين ما كانوا سيكونون جياعاً لولا الحوثي، وكلها في النهاية تصب في خانة واحدة مفادها وملخصها أن الحوثيبن ليسوا سوى مجرد مليشيات تمارس القتل والفساد والنهب والسرقات مهما اختلفت الطرق أو تعددت الأساليب أو كانت المبررات.