سمير الصنعاني

سمير الصنعاني

صنعاء وحيدة في مواجهة النازية الحوثية

Saturday 17 August 2019 الساعة 03:13 pm

لا أحد يدرك حجم الكارثة التي تعيشها العاصمة صنعاء خصوصاً وبقية المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي، الذراع الايرانية في اليمن، إلا أولئك الذين يعايشون ممارسات وإجراءات المليشيات على أرض الواقع سواء أكانوا من معارضيها علناً أم من الرافضين لها بأساليب قانونية، أو المعترضين عليها بالصمت خوفاً من أن ينالهم سوء ومكر وظلم المليشيات.

صنعاء تعيش أسوأ مراحلها التاريخية في العصر الحديث، فمليشيات الحوثي تسابق الزمن في إعادة رسم ملامح هذه المدينة بأساليب وطرق مذهبية وطائفية وعنصرية تشمل كل شيء فيها من التعليم، إلى المساجد، إلى وسائل الإعلام، إلى الجانب الثقافي، إلى مؤسسات الدولة، وحتى التغيير الديموغرافي والذي أتاح لأبناء صعدة من قيادات المليشيات سيطرة كاملة في العمران وشراء الأراضي والمنازل وإنشاء الشركات التجارية والاستثمارات في مختلف المجالات بعد أن مارسوا كل أساليب الطرد والتطفيش ضد التجار والمستثمرين من أبناء المحافظات الأخرى لصالح قيادات المليشيات القادمة من صعدة.

وخلال السنوات التي تلت سيطرة المليشيات الحوثية على العاصمة ومؤسسات الدولة حاول الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح وعبر قيادته للمؤتمر الشعبي العام وشراكته السياسية مع الحوثيين أن يحد من هذا الجنون الذي تمارسه هذه المليشيات وسعيها لتغيير كل شيء في العاصمة والمناطق التي تسيطر عليها وطبعها بطابعها المذهبي العنصري، ونجح في عرقلة الكثير من مشاريع المليشيات الحوثية خصوصاً في مجال تعديل المناهج، وفي جانب تغيير القوانين وإنشاء المؤسسات الخارجة عن نصوص الدستور والقوانين، ولعل ذلك كان أحد الأسباب التي أسهمت في تسريع مليشيات الحوثي بعملية اغتياله حتى تزيل العائق الذي كان يقف أمام تنفيذ مشروعها في حوثنة كل شيء في صنعاء ومناطق سيطرتها، وهو ما تم بشكل غير مسبوق عقب استشهاد الزعيم صالح، وخلال عام ونصف نفذت المليشيات ما لم تنفذه خلال ثلاث سنوات منذ سيطرتها على صنعاء وحتى ديسمبر 2017م.

والكارثة الأكبر أن ما يجري من عملية تغيير فكري ومذهبي وترسيخ لمفاهيم العنصرية وتمكين لمليشيات الحوثي من مفاصل الدولة ومواردها في العاصمة ومناطق سيطرتها يتم دون أي اهتمام أو تعاطٍ من قبل شرعية وحكومة هادي ومسؤوليها الذين يتعاطون مع صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات وسكانها وكأنهم أصبحوا من المريخ ولم تعد تربطهم بهم أي علاقة.

وإذا كان صحيحاً أن سكان العاصمة ومناطق سيطرة الحوثي يحاولون قدر جهدهم مقاومة ممارسات الحوثيين لكنهم في الأخير مضطرون للتعاطي معها إن لم يكن الخضوع التام لها حرصاً على ممارسة حياتهم اليومية وتوفير أدنى متطلباتهم المعيشية اليومية، ويزداد الأمر سوءاً أن سكان هذه المحافظات يرون كل يوم فشلاً جديداً لشرعية هادي، ويشاهدون قيادات هذه الشرعية المتواجدين في الخارج يختلقون الأزمات ويوجهون الإعلام إلى قضايا خلافات ناسين أو بالأصح متناسين عاصمة الدولة وسكانها وما يواجهونه من ضيم وظلم تمارسه مليشيات الحوثي بحقهم بشتى الأساليب والوسائل.

لو يبذل مسؤولو الشرعية ومحللوها والمعينون في مناصب وزراء ونواب ووكلاء وزارات ومحللين سياسيين وصحفيين، فضلاً عن جيش الإخوان المسلمين الذين يخترعون كل يوم قضية ويثيرون حولها حملات إعلامية ضد خصومهم في المناطق المحررة من الحوثيين، لو يبذلون ربع تلك المجهودات لمواجهة الحوثنة التي تمارسها المليشيات لصنعاء العاصمة وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها لربما اختلف الوضع عما هو عليه ولربما أسهم ذلك في تأسيس أرضية خصبة لرأي عام شعبي معارض ومقاوم للحوثيين، لكن انشغال أولئك بمصالحهم وتناسيهم لصنعاء واعتبارها كأنها لم تعد عاصمة البلاد، كل ذلك يسهم في مساعدة المليشيات على مواصلة مشروعها المذهبي العنصري دون أي مقاومة تذكر.

والحقيقة التي لا جدال فيها أنه بدون تحرير صنعاء من مليشيات الحوثي عسكرياً أو سياسياً وبدون مواجهة وفضح ممارسات هذه المليشيات بحق صنعاء وسكانها وبقية المناطق التي تسيطر عليها فإنه لا يمكن الحديث عن نصر يتحقق على مشروع الإمامة ولا على مخططات إيران في اليمن ولا عن مستقبل يكفل إعادة بناء دولة جامعة لكل اليمنيين، وأقصى ما يمكن أن يتحقق هو مجرد كانتونات كل منها تحكمها جماعة أو كيانات بعيداً عن مفهوم الدولة ومؤسساتها وعن عقد اجتماعي أو قوانين ناظمة للحياة وضامنة لمفاهيم العدالة والمواطنة المتساوية.

ولأن صنعاء هي عاصمة كل اليمنيين فهي تحتاج إليهم جميعاً لمساعدتها في مواجهة ومقاومة الملشنة والمذهبية والعنصرية وكل مشاريع الحوثي المدمرة لكل مفاهيم الدولة والمواطنة والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، وبدون ذلك فصنعاء ستتحول إلى مدينة ترسم معالم فشل النخب السياسية والثقافية والإعلامية اليمنية ومظهر من مظاهر العقم الفكري والسياسي الذي صنعته هذه النخب وكيف أسهم ذلك في ترسيخ وتمكين مليشيات الحوثي من نشر وتنفيذ مشروعها الكهنوتي النازي كما تريد.