مروان الجوبعي

مروان الجوبعي

تابعنى على

الإصلاح.. مذكرات الأحمر تكشف أهداف التأسيس

Thursday 12 September 2019 الساعة 08:25 pm

في ذكرى تأسيس الإصلاح نذكّر أنصاره بأنهم عجين عفاش.

وفي هذه الفقره من مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.. تحدث فيها عن الغرض من تأسيس حزب الإصلاح والشيخ الأحمر من مؤسسي الحزب.. حيث قال: "كنا جميعاً في المؤتمر الشعبي العام. ولهذا لا بد لنا من إنشاء أحزاب تكون رديفة للمؤتمر، وطلب الرئيس منا بالذات مجموعة الاتجاه الإسلامي، وأنا معهم، أن نكون حزبًا في الوقت الذي كنا لا نزال في المؤتمر.

قال لنا: كونوا حزبًا يكون رديفاً للمؤتمر ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة، ولن نختلف عليكم وسندعمكم مثلما المؤتمر. إضافة إلى أنه قال: إن الاتفاقية تمت بيني وبين الحزب الاشتراكي، وهم يمثلون الحزب الاشتراكي والدولة التي كانت في الجنوب، وأنا أمثل المؤتمر الشعبي والدولة التي في الشمال، وبيننا اتفاقيات لا أستطيع أتململ منها، وفي ظل وجودكم كتنظيم قوي سوف ننسق معكم بحيث تتبنون مواقف معارضة ضد بعض النقاط أو الأمور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي، وهي غير صائبة ونعرقل تنفيذها، وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح، في حين كان هناك فعلاً تنظيم وهو تنظيم الإخوان المسلمين الذي جعلناه كنواة داخلية في التجمع لديه التنظيم الدقيق والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية".

وعلى المستوى الشخصي.. كنت قبل أكثر من عقدين ونصف، طفلا شقيا أحب اللهو والمرح وكان علي أن أفكر كيف اهرب إلى الشارع لمشاركة زملائي لعبة كرة القدم، كما جرت العادة يوميا، لكني وجدت نفسي يومها هاربا بكهف كبير يقع خارج القرية.

هناك وقفت وسط حشد العجائز والنساء والأطفال المذعورين.. وقفت، مذعورا مثلهم، أحدق باعينهم المذعورة وأفكر بالمأساة التي هبطت علينا فجأة دون سابق إنذار!

وقفت حينها أفكر.. وأفكر.. لعلي استوعب ما يحدث، ولكني رغم الإسراف بالتفكير لم أفهم ما هي الحرب؟ ولماذا هربنا؟ ولماذا كان الغزاة يقتل بعضنا وهم بالوقت نفسه يهتفون الله أكبر؟ لم استوعب حينها من أين هبط علينا كل ذلك الذعر الجماعي؟

مع مرور الوقت انتهت الحرب، وبدأت شيئا فشيئا استوعب المأساة حينما وجدت نفسي وقد تحولت إلى بائع جرائد ولم أعد أجد الفرصة للعب.

آنذاك كنت طفلا، ولم أكن ادري بأهمية ما أقوم به.. لم أكن أعلم أنني أطعم عقول الناس بالأفكار المصيرية وأغذي أنفسهم بالعزيمة والإرادة ولربما بالحقد والكراهية، مقابل ما أحصل عليه من مال يسير أعود به إلى عمي الذي كان يشتري لي الجرائد لأبيعها.

حينها لم يكن قد مضى سوى بضعة أشهر منذ وضعت الحرب أوزارها، والناس آنذاك كانوا مثقلين بالهزيمة يتهافتون على الصحف لعلهم يجدون فيها ما يشفي صدورهم الموجوعة.. كانوا متعطشين لسماع أخبار تنبئهم عن ظهور القائد المخلص، من صفحات الجريدة، ليعيد لهم أمجادهم التليدة وأحلامهم المسلوبة.

هكذا كان شغفهم كما هي عادات مجتمعاتنا بعد كل هزيمة، أما أنا كنت جائعا، والجائع كل أحلامه الحصول على قطعة خبز، لذا لم أكن أعبأ بشيء، إنما كنت أمارس هذه المهنة اعتقادا بأنها فرصة للنجاة من الجوع ولم أتردد عن استغلالها.

كانت رائحة الحرب ما تزال تتصاعد من الأرض، وآثارها تختمر في النفوس، والدماء سائلة لم تجف بعد.

وكانت إحصاءات القتلى بالكشوف تتزايد بعد أن عجز الأهالي عن ايجاد أبنائهم المفقودين، وكان الكره والحقد يتراكمان أكثر فأكثر.

وبغرور كان المنتصر يرتكب الحماقات تلو الحماقات ظنا منه أن النصر قد أعطاه صكا أبديا بملكية الأرض واستعباد أصحابها.

كانت خيبة القراء تزداد يوما بعد آخر، ومعها كان يزداد بؤسهم، وأنا غير آبه أطير من الفرحة كلما ازداد عددهم، لأنني كنت قد بلغت قعر البؤس، لم أكن إلا جائعا والجائع لا يشعر بشيء سوى الجوع.

كنت في غاية السرور أحمل بين أحضاني معاناتي ومعاناة شعب بالكامل لأقدمها للزبائن على شكل وجبات يومية بعد أن طبخها المنتفعون وتاجر بها المتاجرون، لأكون أنا حلقة الوصل الأخيرة بهذه السلسلة الطويلة.

لكني ببراءة كنت أفعل ما أفعل، لم أكن أدري بما أحمل بين يدي، لأن تفكيري منصب حول قطعة الخبز التي ساشتريها فيما بعد، كان تفكيري معلقا بقطعة الخبز أكثر من أي شيء آخر.

ها أنا بعد أكثر من خمسة وعشرين عاما بين الضياع والتشرد، ما زلت أبحث عن قطعة الخبز المفقودة لأسد بها ثقب الجوع المفتوح بلا نهاية، وبالوقت ذاته ما زالت حشود الغزاة تتأهب مرة أخرى لاقتحام الأرض التي وجدت نفسي فيها عنوة، تتأهب لتكرار المأساة ذاتها على رؤوس الجيل الجديد.

* جمعه (نيوزيمن) من صفحة الكاتب على الفيسبوك