حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

درس تاريخي من "حصار السبعين يوماً"

Saturday 28 September 2019 الساعة 04:51 pm

▪الاستيلاء على صنعاء، في سبتمبر 2014، لم يستغرق من الحوثيين مجهوداً كبيراً كالجهد الذي استغرق أسلافهم الملكيين "الإماميين" في "حصار السبعين يوماً"، عام 1967، والذي مني بالفشل والخيبة.
لماذا؟
في حصار السبعين يوماً، كانت صنعاء محصَّنة من داخلها بإرادة سياسية وعسكرية عقَدتْ العزم على كسر هجمة الملكيين الإماميين بعد أن أطبقوا الحصار على المدينة من جميع الجهات وتوغَّلت قوّاتهم إلى الضواحي الجنوبية والجنوبية الغربية.

بينما كانت صنعاء، في سبتمبر 2014، مكشوفة بلا إرادة سياسية ولا قيادة وطنية ولا عزيمة كتلك التي صمدت بفضلها أثناء حصار السبعون يوماً. علاوة على أن اليمن كان هذه المرة قد قطع شوطاً كبيراً في طريق التفكك وانهيار الدولة، وعاش تطورات سياسية وعسكرية جعلت من سقوط عاصمته تحصيل حاصل.

هذه المرة أيضاً، كان هناك، إلى جانب غياب الإرادة الوطنية، انحلال خلقي عام يشبه، من بعض الأوجه، ذلك الانحلال الذي قال الزعيم الفرنسي شار ديغول إنه "تسبب في الانهيار المفاجىء والمهين لفرنسا أمام الألمان في 1940".

▪في 23 أبريل 1970، اعترفت السعودية بالنظام الجمهوري في اليمن بعد أن شاركت في الحرب عليه لمدة 8 سنوات.

كانت ذريعة السعودية الأساسية في ذلك الوقت مواجهة المد الناصري الذي رأت فيه تهديداً لأمنها ووجودها. وكان الملك فيصل بن عبدالعزيز يعرض في العلن صفقة تنسحب بموجبها قوات المصريين من اليمن مقابل أن يوقف السعوديون دعمهم وتسليحهم للملكيين، وأن يترك للشعب اليمني تقرير مصيره.

صحيح أن الخطر الناصري لم يكن هو المبرر الوحيد لدعم السعوديين للإمام المخلوع وأنصاره. السياسة التقليدية للرياض في اليمن وفي المنطقة بشكل عام، مبنية على نوع من التطير إزاء أي تحول ثوري أو حدث من المحتمل أن يكون ناقلا للعدوى. المملكة ما كانت لتسعد بفكرة قيام نظام جمهوري ثوري في اليمن، فكيف وقد التحم هذا النظام الوليد في صنعاء بالموجة الناصرية المصرية المتوهجة وأصبح جزءاً منها بخطابها الثوري والقومي المحرض على "التحرر" وإسقاط الأنظمة "الرجعية" العميلة للاستعمار.. إلخ!

ليس هذا فحسب، بل إن الالتحام الفكري والوجداني صار حماية عسكرية وسياسية مباشرة من طرف النظام الناصري المصري منذ الشهور الأولى للثورة اليمنية على النظام الملكي الإمامي.

ومع ذلك، فقد كان تحجج السعوديين بالوجود العسكري المصري في اليمن، باعتباره سببهم الحقيقي في مساندتهم لأعداء الجمهورية اليمنيين، يوفر لهم مخرجا ممكنا من الحرب مثلما وفر لهم مدخلا للانخراط فيها. إن حجة السعوديين تلك كان يمكن فهمها لأنها قابلة للملاحظة والقياس. فكأن الرياض تقول إنني لن أكون ضد النظام الجمهوري في صنعاء لو رفع المصريون أيديهم من اليمن. أما في الواقع فقد كان يقينها أنه بدون المصريين لن يتمكن النظام الجمهوري من الصمود لحظة أمام الملكيين. في البداية كان لهذا اليقين السعودي ما يؤكده بالفعل. فالخبرة القتالية وعناصر القوة كلها كانت ستجتمع لمصلحة الملكيين، فينقضوا مجدداً على صنعاء ويسحقوا الجمهورية في مهدها، لو لم يهب المصريون بتدخل عسكري مباشر لنجدة النظام الثوري المستهدف بالعواصف والارتدادات القاتلة.

▪بعد 5 سنوات من الحرب المكلفة جداً للموارد المصرية، وجد عبد الناصر نفسه، مضطراً لسحب قواته من اليمن عام 1967، ودونما اتفاق مع السعوديين. كان ذلك القرار أحد نتائج ومضاعفات هزيمة ناصر العسكرية أمام الاسرائيليين، الهزيمة المعروفة بنكسة يوليو 1967.

فهل أوقفت السعودية دعمها للملكيين في اليمن؟
لم تفعل ذلك بالتأكيد. لكن في نفس الوقت لم يتهاوَ نظام صنعاء الجمهوري إثر انسحاب داعميه المصريين كما كان يتوقع السعوديون بيقين، وكما كانوا يأملون. في نهاية 1967، أي عقب مغادرة قوات المصريين من اليمن بزمن قصير، نفذ المعسكر الملكي اليمني المدعوم سعوديا أكبر هجوم على صنعاء، عاصمة الجمهورية العربية اليمنية، فرض خلاله حصارا شاملا، على مدى سبعين يوما، تمكنت فيها قوى الجمهورية، ببسالة ملحمية، وبالاعتماد على قدراتها الذاتية بلا سند ولا رعاية خارجية، من كسر الحصار ورد فلول الملكيين الإماميين على أعقابهم.

بحلول العام 1970، أي بعد انسحاب قوات ناصر من اليمن بثلاث سنوات، اعترف السعوديون بالنظام الجمهوري. لم يتبق حينها في اعترافها به ما يدعو للحرج. لم يكن اعترافاً مذلاً بالنسبة للرياض، وخصوصاً بعد انسحاب المصريين، وبعد أن انفتحت قنوات اتصال مع نظام صنعاء الثوري، وبعد أن ترجحت كفة الفصيل الجمهوري "اليميني" "المعتدل" على حساب فصائل ما يسمى "اليسار" والقوميين الأكثر تشدداً في خطابهم تجاه السعودية من منطلق تقدمي ثوري "ضد قوى الرجعية والاستعمار".