لطفي نعمان

لطفي نعمان

تابعنى على

الوطن العربي.. الزمن لا يأتي بأصلح

Wednesday 09 October 2019 الساعة 07:47 pm

شاع خبر نية استضافة ضفاف دجلة لقاءات إطفاء حرائق المنطقة، ثم صرفت الأنظار عن ذلك وذاعت أخبار تظاهرات العراق واحتشاد العراقيين وسط الميادين، منادين بإسقاط الحكومة وإنهاء حالة الفساد والنفوذ الإيراني وتوفير الخدمات الأساسية.. إلى آخر المرفوع من الشعارات المألوفة في تظاهرات الشعوب المغبونة.

بعيداً عن الخوض عميقاً في الشأن الداخلي العراقي، مع احترام حقوق المواطنين الدستورية وحسن أداء الواجبات القانونية للسلطات(...). نقارب الصورة العامة المشتركة بين كثير من بلدان وأوطان العرب، المبتلاة بعضها بآثار الربيع العربي، الموصوف من بعض المفكرين بـ"الجحيم العربي" وسماه أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية: "التدمير العربي". صحت تلك التوصيفات والتسميات أم لم تصح، فالبادي للعيان حتى أعياهم، أن الناس تطلعوا للتغيير إلى الأفضل فأتاهم ما دونه، ثم تكيفوا مع قاعدة "الزمن لا يأتي بأصلح، ولا يأتي بأذكى، وقطعاً ليس الحاضر بأحسن"!

لا من أتى خيرٌ لي من السلفِ
ولا الجديد عن الماضي بمختلفِ

يتضح أيضاً من واقع المتابعة والتجربة أن النفوذ الإيراني أهم وأخطر ثمار الربيع العربي.. حيث وجدت طهران في عددٍ من عواصم الربيع المتعثر، مرتعاً خصباً للنفوذ والوخز والثأر التاريخي.

عقب سقوط بعض نظم اتصفت بالقوة والمنعة النسبية وما خلت من عوامل ضعف وتآكل وانهيار داخلي تهيأت معها الكائنات السياسية من الداخل للارتماء في أحضان الأباعد والأقارب في الخارج.

فما بدأ الربيع العربي في تاريخه المعلن 2011م، بل من وقت انهيار النظام العراقي عام 2003م، حسب تعليق جهاد الزين.

يومها بدأ تساقط نظم "العسكريتاريا" العربية بعد حصانة مؤقتة ضد الانقلابات الداخلية، لم تمنع شن الحرب على العراق وطلوع الظواهر المؤسفة من فساد وفوضى وفتن طائفية.

لم يكُ العراق استثناءً، بالطبع، فهناك لبنان (الطائفي غير العسكري) الأسبق إلى المعاناة من "حروب الآخرين" على أرضه وبأبنائه، ونشوء "فيدرالية الميليشيات".

وما فرغ الناس من تذوق مرارات الحرب وويلاتها حتى شرع الفساد ينفذ إلى أطر حياة المواطنين وينخر معظم هياكل مؤسسات الدولة.

وعن اليمن الذي عانى فساداً نسبياً قبل الربيع أو الجحيم أو التدمير وعقبه، وما يزال يعاني قبل الحرب وأثناءها على كافة المستويات، تجدد تسرب نفوذ الآخرين إليه عبر "التعاون" الخارجي الشقيق والصديق من الشرق والغرب و"الاستشارات" التي تشجع تطاحن كل من في الجنوب وفي الشمال اليمني.

"تخلق الحرب قِيماً وتخنق أخرى" كما يقول أحمد بيضون.. وعبر الحرب الدولية أو الإقليمية أو الأهلية في كل زمان ومكان، خَلقت قيم الفساد على كافة المستويات، وكثر تجار الحرب وكبر أمراؤها والمستفيدون من استمرارها.

ولا يغيب عن الذهن كيف يطلي الساسة وجوههم بطلاء وطنية مصطنعة ضيعت أوطانهم وأهانت كرامة مواطنيهم.. وبأولئك المطليين لا تنهض المجتمعات المتعثرة، طالما بهم تفسد أخلاق وتقطع أعناق وتشح أرزاق ويعم إملاق، من اليمن إلى العراق.

صدق الله القائل بمحكم كتابه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.. وقبل أن يرجعوا، يرجع صدى شعارات قديمة: أمة عربية واحدة، ورسالة خالدة، ووطن عربي واحد.. وطالما تتحقق وحدة الأمة –أي أمة- بوحدة الفعل –أي فعل- فإن الفساد عابر الأوطان العربية (والشكوى منه) فعل عربي مشترك، يغدو معه شعار وطن عربي "فاسد" عوضاً عن وطن عربي واحد، ورسالة وأمة "فاسدة" بدلاً عن أمة ورسالة خالدة.

سيمكث الفساد في الأرض إلى أوان تصحيحه، وخلود المصلحين عندما "يؤذن الله في علاه، أن يصحو الشرق من كراه، ويرحل الليل عن سماه".. فيستعيد الضال هداه.