فكري قاسم

فكري قاسم

تابعنى على

كلاب الرئاسة!

Sunday 20 October 2019 الساعة 08:18 pm

كان معانا كلاب ألمانية رفيعة المستوى استوردتهم الرئاسة في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح للقيام بمهام حراسية وضبطية محددة، وتلقين تدريبات مكثفة وفق معايير أمنية معتبرة لتجويد أدائهن الأمني، ونالهن حظ جيد من الرعاية والاهتمام بمأكلهن ومشربهن وصحتهن ومضهرهن الخارجي، وكن مُفتهنات يعشن أيامهن داخل دار الرئاسة بدلال منقطع النظير، ويتمنى الواحد لما يمشي من جنبهن ويشوفهن مربربات لو أنه كلب ابن كلب يعيش هناء ذلك النعيم وتلك الرفاهية اليومية التي لم يكن ينعم بها كلاب الشوارع.

عددهن ثمانية كلاب تقريباً، حجم الواحد منهن تقول حصان وأشكالهن بنات ناس، لا يأكلن أي طعام، ولا يشربن أي شراب، ولا ينبحن إلا عندما يكون هناك ما يستحق النباح، ولا أعرف إذا ما كان لهن أسماء ينادى عليهن بها أم لا، ولكني أعرف أو أدرك بطبيعة الحال أن لهن جوازات سفر وشهادات ميلاد أصول لسلالتهن الكلابية، ولم يكن لديهن أي هموم على الإطلاق، وكان دار الرئاسة في صنعاء بيتهن ومقرهن الدائم شأنهن بذلك شأن كل المحظوظين الذين عاشوا حياة الأباطرة والملوك.

لكنهن استيقظن ذات يوم، بعد اندلاع الحرب واقتحام دار الرئاسة من قبل الحوثيين، على واقع مرير مختلف جدا عما كن عليه من قبل، ووجدن أنفسهن فجأة محاصرات بشوية جن خرجوا الدلع والدلال والرعاية والاهتمام من عيون ابتهن، ولم يكن حالهن أسوأ من حالنا شعب أبو يمن الذين استيقظنا نحن الآخرون بعد انقلاب الحوثيين على السلطة على واقع مرير فرضته علينا مليشيات مسلحة سلالية طائفية أكلت الأخضر واليابس وجعجعت البشر ما بالكم بكلاب الرئاسة الذين عايشوا من بعد ذلك الانقلاب واقعاً صادماً للغاية.

يقال بأن الحوثيين صادروا مخصصات وجباتهن اليومية، وذلك أمر طبيعي الحدوث، لقد صادروا معاشات الموظفين ومعاشات التأمينات، وما رحموا البشر عاد إلا عيرحموا الحيوانات والكلاب التي كن يعشن داخل دار الرئاسة مفتهنات وآمنات بأمان الله، قبل أن يتفرق شملهن تماما كما تفرق شمل اليمنيين.

بمرور الوقت، بعد السيطرة تماما على العاصمة صنعاء، كان مصير كلاب الرئاسة غامضاً لا أحد يعرف أين ذهبن ومن أخذهن، وأغلب الظن أنهن تعرضن لمصائر قاسية ومهينة ولم تكن في حسبانهن على الإطلاق، وتخيلوا حال ثمانية كلاب جئن من ألمانيا فوق طائرة واستقبلن بحفاوة كبيرة ونزلن في دار فخم نعمن داخله بالرفاهية مقابل قيامهن بواجبهن الأمني الذي تدربن عليه، ولم يكن أحد من الكلاب الثمانية يعرف أن اليمن بلاد حالها معصود، ولم يكن أحد منهن يدرك طبيعة الصراع القائم على الرئاسة، وليس لأحد منهن خصومة لا مع السعودية ولا مع إيران، وولاؤهن لمن دربهن وأطعمهن، وفجأة يجدن أنفسهن وسط معمعة انقلاب مسلح لأناس يؤدون الصرخة بينما لا يعرف كلب من الكلاب الثمانية أن هناك كلاباً أخرى تحوم حول الرئاسة!

أين ذهبت كلاب الرئاسة فيما بعد؟ والله مالي علم! هل تم تدريبهن على الصرخة وأخذهن إلى الجبهات مثلا؟ هل تم توزيعهن بين المشرفين الحوثيين كغنائم حرب؟ هل تم إطلاق سراحهن أو تم اعتقالهن باعتبارهن كلاب من أصول نصرانية! كل الذي أعرفه أنني كنت أمشي قبل المغرب من أمام السفارة المصرية في شارع جمال بصنعاء بعد سنة من الحرب تقريباً، وشاهدت كلبا بوليسيا جاثيا باقدامه الأربع فوق الرصيف وعنقه مربوط بسلسلة "مثل الكبش" إلى قصبة مركوزة في الشارع العام بالتحرير يشاهد أقدام المارة في الطريق ولا ينبح ولا يرفع عينيه إلى وجوه المارة، يعاني من الهزال وحالة ابوه حاله، وتبدو على ملامح وجهه المهانة والمذلة يأكل بطاط وقراطيس ويتحمد الله على قلِة الرجالة!

عرفت يومذاك من أحد الأصدقاء الذين يعيشون في حواري شارع جمال بصنعاء أنه أحد كلاب حراسة دار الرئاسة الذين انتهى بهم المطاف مشردين بلا رعاية ولا رئاسة ولا وطن ولا جوازات سفر، شأنهم بذلك شأن اليمنيين الذين طردتهم الحرب اللعينة من بيوتهم وحواريهم وقراهم ومدنهم وأصبحوا يعيشون أيامهم في الحياة بمهانة ومذلة، مشردين مثل الكلاب بلا بيوت وبلا وظائف وبلا جوازات سفر بوسعها أن تشعرهم بأنهم أوادم ينتمون إلى الإنسانية وإلى كوكب الأرض، ناهيك عن شعورهم أصلاً بأنهم مواطنون يمنيون ينتمون إلى بلاد وإلى وطن!