محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

النخبة المتضررة من اتفاق "الرياض" فقدت البوصلة أم أنه تكتيك إخواني؟!

Sunday 27 October 2019 الساعة 04:39 pm

ملامح بنود اتفاق الرياض التي تم تسريبها للإعلام أخرجت بعض وزراء ومسئولي الشرعية عن طور العقلانية، وأظهرت فيهم حالة تأزم نفسي رهيبة بسبب ما سيفقدونه من مزايا شخصية، تلك المزايا التي حاولوا الحفاظ عليها بسفك الدماء ونشر الفوضى.

لم تمر أكثر من أربع وعشرين ساعة على تسريب بنود الاتفاقية إلا ونرى الخطابات المتشنجة والمشحونة بكميات من التبرير والتهويل المتخوف لتلك البنود، انطلق وزير داخلية الشرعية بخطاباته المستمرة بالتحريض والكراهية من مدينة عتق، وأطلق تمسكه بالحرب والفوضى وسيلة العصابات الإرهابية للعودة إلى عدن.

الميسري عندما وجد نفسه سيكون خارج إطار اللعبة الجديدة والحكومة الجديدة في عدن، انكمش عقله وزادت نبضات قلبه، وعينه على المصالح الشخصية والمزايا التي سيفقدها، لا يهمه الجنوب كمحافظات محررة من الإرهاب الحوثي، ولا يهمه ترتيب بيت الشرعية بالشكل الصحيح من أجل العودة إلى صنعاء وإنهاء الحرب بسقوط الإرهاب الحوثي وانقلابه على الدولة.

وجد الميسري في اتفاق الانتقالي والشرعية مكاسب للجنوب والجنوبيين، ولليمن بشكل عام، فخافت جفونه من إطباق هذا الاتفاق على بعض المشاريع التي يحملها الحزب الإخواني والسيطرة على منابع النفط وتصديره واستخدام الجنوب ورقة للمزايدات السياسية، وترك مصلحة الجنوب والجنوبيين تأكلها الرياح وتقصم ظهورهم قرارات الإخوان الفئوية.

الوزير الميسري، الذي فضحه الاتفاق وأخرج مكنونات جوفه من أحقاد ومطامع تجاه الجنوب، على الرغم من جنوبيته إلا أن المصالح الضيقة تُجرد الشخص الضعيف من انتماءاته الأولية، ليس تلقائياً سيقف في وجه الاتفاق ومن يرعاه "المملكة" بصورة فردية دون سياج يحميه من أي ردة فعل من التحالف العربي، وليس وحده من يفقد مصالحه، هناك النخبة التي أصبحت في مهب رياح الجنوب تسقطهم "يوم صراب العلان".

صحيح أن هذا الاتفاق لو أصبح نافذاً سيقلص حصة حزب الإصلاح من الحكومة، وسيحد من السيطرة والهيمنة الإخوانية على قرارات الجنوب، وسيتم تقليصه إلى حجمه الطبيعي الذي لا يتعدى محافظة مأرب، وربما يتم إعادة توجيه بوصلته نحو صنعاء عبر البندقية، وهذا من المستحيلات التي يفرضها الواقع بحكم تشابك المصالح وواحديتها مع جماعة الحوثي الإرهابية.

لذلك نشهد الحملة الشرسة التي يتبناها مجموعة نخبوية لا تزال تخضع للشرعية والانتماء إليها ضد الاتفاق الذي رعته المملكة وبتوافق طرفيه، الانتقالي والشرعية، بعد حوارات صعبة خلال أشهر عدة، نتج عنه تدعيم الجنوب بالأمن والاستقرار وعودة الشرعية بالشراكة مع الانتقالي وتوجيه مسار الحرب نحو الشمال حيث العدو الذي يتربص بالجميع.

ليس هناك تصور عقلاني يحدد خيارات النخبة المصلحية المنتمية للشرعية والمتضررة من هذا الاتفاق، حيث وجدوا أنفسهم محاصرين بين مشاريع تخريبية تعيق إصلاح الشرعية وترتيب الأوراق لإسقاط الإرهاب الحوثي وبين مصالحهم المرتبطة بتلك المشاريع مع ارتباطها المباشر بأهداف دول خارجية تدعم الممارسات التخريبية وإطالة أمد الحرب من خلال الدعم المادي والعسكري واللوجستي لجماعة الحوثي مثل قطر وإيران.

في المقابل ليس هناك تصور عقلاني يبرر تصريحات الميسري المتشنجة تجاه الاتفاق والتحالف العربي إلا أن هناك أمراً ما تم التخطيط له لإفشال هذا الاتفاق، وتفجير الحرب وزعزعة استقرار الجنوب، حيث إن عودته المفاجئة قبل أسبوع من مصر ليس لها مبرر قوي في ظل ظروف التفاوض واستباق للتوقيع عليه، إلا لإفشال هذا الاتفاق، والانتقال إلى المخطط (ب) بتفجير الحرب في الجنوب مجدداً.

التصرف الذي أظهرته النخبة المصلحية المتضررة ليس له دواعٍ منطقية نابعة من المصلحة العامة، ولا يخرج عن خيارات كثيرة، فقط خياران وكلاهما وارد، المصلحة الشخصية، والمشاريع الخارجية لبعض الدول المرتبطة بها فكرياً ومادياً مثل تركيا وقطر وإيران، ومصلحة هذه الدول هو إفشال أي اتفاق لتصحيح وضع الشرعية وتصويب بندقيتها نحو العدو الرابض في صنعاء، هذا الترابط هو التفسير المنطقي للجنون الذي أصاب تلك النخبة، الميسري أحد أعضائها.