فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

نظرات في المشهد العراقي- اللبناني

Monday 11 November 2019 الساعة 09:23 am

كان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من أشد الموالين للنظام الإيراني.. عاش تحت إبطه منذ اغتيل والده المرجع الشيعي الأكبر آية الله محمد صادق الصدر في فبراير العام 1999 وسط ميدان ثورة العشرين بالنجف مع ولديه مصطفى ومؤمل..

عاد مقتدى بعد سقوط بغداد الرشيد وتولية بريمر مكان صدام حسين العدو اللدود لملالي إيران.. أعلن في يوليو العام 2003 عن تأسيس جيش المهدي لمصلحة أجندة إيران وبتمويل منها، وكان الذريعة الظاهرة تحرير العراق.. بعد عشرة أشهر تقريباً دخل جيشه في مواجهات دامية مع القوات الأمريكية في عدة مناطق عراقية.. وفي غيبة المهدي الطويلة قتل الأمريكيون خلال عشر أيام حسوماً أكثر من 500 مهدي وجرحوا ألفاً.. ولما قيل له مر جيشك بالتوقف، قال الأمر ليس بيدي إنه في يد المهدي المنتظر!

ظل موالياً لإيران في السنوات التالية، لكنه بدأ يبتعد شيئاً فشيئاً عن طهران وقم، ويبدو أنه ابتعد قليلاً عن المهدي المنتظر.. اليوم انحاز ومعه التيار الصدري وكتلته النيابية إلى أبناء وطنه، الذين يتظاهرون ضد إيران وركائزها المحلية وفساد الحكومات التي طالما ظلت تدين بالولاء لطهران وقم.. صار التيار الصدري القوة الأساسية للاحتجاجات الأخيرة في العراق بما في ذلك المنطقتان المقدستان: النجف وكربلاء، اللتان كانتا محط عناية جيش المهدي.

إنها الوطنية العراقية.. والعروبة.. تنهضان اليوم في مواجهة القومية الفارسية التي صارت تعربد في العراق ولبنان في عهد الملالي الشيعة، بينما كانت هذه القومية في عهد البهلوية العلمانية مسالمة تحركها مصالح اقتصادية لا دينية.

الدولة الصفوية نظَّر لها وشرع رجال دين عرب قدموا إليها من جبل عامل في لبنان ومن البحرين ومن غربها، أو ما يعرف اليوم بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.. بقوا مخلصين لدولة الصفي حتى النهاية ولم يتراجعوا حتى عندما كانت تلك الدولة تداهم العراق العربية، فقد قدموا الولاء الديني- المذهبي على الولاء القومي العربي، ويعد حسن نصر الله مثالاً حديثاً لهم، مع فارق أنهم كانوا رجال فقه وهذا رجل خطب.

لم يعلق مقتدى الصدر على عبارات الرئيس الإيراني علي خامنئي التي هاجم فيها المظاهرات والمتظاهرين، وزعم أن هذه الملايين الغاضبة تحركها قوى خارجية، وأن ما يقومون به لا جدوى منه.. قال إن أميركا، وإسرائيل، والسعودية تحرك هذه الجموع التي بدت منذ يوم الجمعة قبل الأخيرة صدرية عراقية شيعية غالباً، وهذا يرينا أن العربدة الإيرانية في العراق بلغت حداً يفوق قدرة العراقي على الصبر أو الاحتمال حتى لو كان شيعياً مخلصاً. أما في الجهة الثانية، أي في لبنان، فإن حزب حسن نصر الله قد سبق علي خامنئي نفسه، حيث نزلوا إلى الشوارع ينشدون له ويصلون عليه ويسلموا تسليماً، ثم امتطوا الدراجات النارية الكثيرة التي أغاروا بها على خيام المتظاهرين وسط بيروت لمجرد أنهم طالبوا إيران الكف عن العبث في لبنان.

لم تعرف لبنان ولا العراق هذه المصائب الجديدة، إلا حينما شقت إيران طريقها إلى هذين البلدين عن طريق خدمها المحليين الذين صاروا أدلاء لقاسم سليماني وغيره من جنرالات الحرس الثوري وفيلق بدر والباسيج، ولم يعرف هذان البلدان حكومات فاسدة بهذا القدر من الفساد الذي صار السبب الأول للفقر والبطالة وفقد الخدمات الأساسية والأمل، إلا في عهد النفوذ الإيراني الذي تغلغل بهدوء أو على مهل كما هي عادة الإيرانيين في نسج السجاد المتقن.