فكري قاسم

فكري قاسم

تابعنى على

“يفدوا بكم على أرجل 26 سبتمبر"

Wednesday 28 September 2022 الساعة 04:18 pm

السلام عليك يا 26 سبتمبر…

يا بساط الريح الذي طار باليمنيين من عصور الظلام إلى ضوء العصور ورحاب الزمن، ومحافل الحضور.

وكنا من قبلك أمة منسية، وبلادًا بلا راعٍ، وتاريخًا مجهولًا، ومواطنين بلا هوية، وكان الوقت لا يعرفنا، والزمن لا يلتقينا في الطريق، والأمل لا يصاحبنا، والعالم لا يسمع حكاوينا. 

ولما جئت أنت ياصاحب الفخامة جئت بالحكاية وبالزمن وبالوقت المناسب، وأصبح كل شيء بوجودك على غير ما كان من قبل بالنسبة لآبائنا وأجدادنا الذين عايشوا زمان الكهنوت.

السلام على قلبك الكبير يا سبتمبر العظيم.. 

السلام على يدك المباركة التي امتدت لشعب كان تائهًا في الطريق، يتحسس الخطوات بعكاز ويسير بلا سند وبلا جاه، وجئت أنت وأصبح لليمن معك حكاية عظيمة ومباهج وإنارة وشوارع وبطاقة شخصية وعمران وطريق ومستشفى ومدرسة وجامعة ومواعيد وآمال تزهر في كل قلب.

السلام عليك يا تاريخ ميلاد الجمهورية بعد دهر من الغياب في مجاهل الزمن.

وكنا من قبلك أمة لا تعرف من الحياة غير العكفة والجهل والظلام والمرض والجوع والاغلال والسير على التراب بأقدام حافية.

وكانت سنين آبائنا وأجدادنا من قبلك جحيم بلا أفراح، وأمراضًا بلا تطبيب وكانت بلادنا مدن بلا طريق وقرى بلا مياه للشرب وأمة بلا مستقبل وبلا تعليم.

وبعد سنوات ثلاث فقط من حضورك البهيّ ياسبتمبر الخالد خرج إلى الحياة شعب جديد غير الذي كان بالأمس.

وفي عهدك المشرق لبس العامة ربطات العنق، وتدفق التعليم إلى كل مدينة وكل قرية، وعرف اليمنيون الاسفلت ومتعة الجلوس في الحدائق والمتنزهات العامة وخرجت المرأة من إطار صورة 4×6 إلى صورة أوسع في فضاء رحب، وأصبح الشعب الذي كان يركب الحمار يسأل لأول مرة في حياته عن مواعيد إقلاع الطيران، ولم يعد هناك لا سيد ولا عبد، ولا عنتر ولا شيبوب. 

وفي عهدك أنت يا عهد الضوء انتعشت الأداب والفنون، وكانت دور السينما مفتوحة للرجال وللنساء في قلب العاصمة.

وكنت ترفرف بألوانك الزاهية في طوابير الصباح، وتقف بالمواهب على خشبات المسارح، وتقول للناس كلمات حلوة عن الحب وعن المعرفة وعن التعايش. 

 ومحد دلع اليمنيين واعتنى بهم مثلما فعلت أنت يا صاحب الفخامة المغدور به.

صحيح أنني لم أتشرف بمعرفتك وجهًا لوجه، ولكنني أحفظ تفاصيلك كاملة، وأعرفك عز المعرفة من جدي و أبي وأمي وأساتذتي في المدرسة، وكبرت بين الناس وأنا أسمع أحاديثهم الجميلة عنك، وأسلم عليك في كل صباح أقف فيه بين الطلبة في طابور الصباح. 

وكنت أشوفك كل يوم في تجاعيد وجه جدي العجوز اللي كان يحبك أكثر من أي شيء، وكان كسر رأسه إذا شاف اوسمع  مخلوق يشتمك أو يقلل من شأنك قدّامه، ويغضب من اجلك ويقول لهم “يفدوبكم كلكم على أرجل ستة وعشرين ستمبر”.

مات جدي بعد زمن وتعثرت أنت يا صاحب الفخامة بعد زمن أيضا وتلخبطت حياتنا بسبب ما جرى لك وما تكسر من عظامك، وما ذبل من معانيك العظيمة في النفوس وأصبحت ذكراك تجيء وتروح تمامًا مثل ذكرى وفاة عجوز كافح كثيرًا في سبيل أن يعيش لأجلنا ولكن عيال الحرام وعيال السوق باعوك في الطريق بيعة سارق.. الله يلعنهم . 

* نقلا عن موقع اليمني - الأميركي