نجم المريري

نجم المريري

ليس كرهاً للإخوان بل حباً في تعز.. اسمعوني مجدداً

Saturday 08 October 2022 الساعة 04:47 pm

أكثر من الوضع العام، يقلقني وضع تعز، وهي تتلقى وخم الانعكاسات الكارثية والمدمرة للإشكالية اليمنية عموماً في هذا المخاض الدامي.

يُسرطن "الإخوان" تعز من الداخل، صدقوني لا أقول هذا كرهاً للجماعة. هذه حقيقة مفروغ منها.

 جزء فقط من الناس من تنتحي به العاطفة والواقع الكالح للجري وراء تفسير سلوك الإخوان "هل يفعلون هذا بقصد أو دون قصد؟"، هذا ما يعنيه أن تكون إخوانياً دون أن تدرك ذلك، وهي أحد النجاحات المحسوبة للإخوان في فهم سيكولوجيا الجماهير وتطويعها لصناعة القطيع.

يغفل الغالبية بينهم سكان القاع من قواعد الإخوان، حديثي التأصيل، مسألة أن الإخوان لا يفهمون قواعد اللعب إلا في إطار الانتماء الدولي للتنظيم، يقول أحدهم "إنهم، لقبولك بينهم، يجردونك حتى من انتمائك لأسرتك ومجتمعك"، عليك أن تبقى محصناً من أدوات الفكر باعتبارها هدامة ومرضية، البيرونية خطر وكفر محض، إذ كيف لجماعة تتدرع وتتذرع بالله أن تُخطئ، وما من تعريف للخطأ سوى أنه مناورة ميكافيلية حين تبرر الغاية ما يُستخدم من وسائل مسمومة.

هل تدرك الآن ما يعنيه الصراخ المسعور الذي يطلقونه من تعز إذا ما داست قدم في شبوة رقعة ملونة بألوان العلم اليمني، فيما صرخة بائع متجول يُداس في جرحه حد الموت بأقدام موحلة على شارع عام في تعز ليس مدعاة للإزعاج.

يقلقني وضع تعز، يفجعني هذا التحلل البطيئ بمكانيكية يتعامى عنها الجميع.

 تحلل لا يخدم الإخوان أنفسهم وأتساءل لصالح من يعمل هؤلاء؟!

إنه الصالح الشخصي الطارئ، ضمن مصالح متداخلة لجماعة محكومة بالغاية وتدار من الخارج ومن خارجها نفسه.

المال أولوية بالنسبة للجماعة، وتعز لن تكون شيئاً في رأسمالها. سقط نظام صالح ولم يأخذ وراءه شيئاً، يتلافى الإخوان (النصف الآخر للنظام) هذا الخطأ الفادح.

 لهذا يمضون في تمحيصه، مصادرته، نهبه حد الحفر في الحيطان، اقتلاعه حد البلاط.

وهنا أتذكر حديث أحد شباب المدينة وهو يروي لي مجريات إحدى التظاهرات المدنية في العام 2011 قبل أن يخترقها الإخوان ويحيلوها إلى شغب. 

قال: قررنا بعد أن شعرنا بعدم التجاوب مع مطالبنا أن نتجه إلى مبنى المحافظة، كنا نتدفق بحماس ثوري دون شعور بالمسافات، وبالكثير من الحذر لدعوات مجاميع الإخوان وهي تحرضنا على اقتحام المبنى ومكاتب السلطة المحلية، أحطنا بالمقر تماما ولم نكن ندرك ما علينا فعله فبدأنا بترديد الشعارات الداعية لإسقاط الفساد، في القريب لاح لنا ظل أحد موظفي المحافظ كما عرفنا بنفسه، تقدم إلينا وفي يده مجموعة كبيرة من المفاتيح، لوح بها في الهواء وقال هذه مفاتيح المحافظة بطلب من معالي المحافظ حمود الصوفي أسلمها لكم وهو يقول لكم ملكية هذا المبنى لا تعود لأحد، بل لتعز نفسها، إن كنتم تنشدون دولة حقيقية فعليكم باحترام مؤسساتها وصيانة ممتلكات العامة".

يقلقني انهيار تعز المؤسسي، انهيار مشوّه لا يمكن البناء عليه أو إعادة بنائه بسهولة، انهيار ممنهج يفصح عنه تصدير أسوأ من عرفتهم تعز على رأس سلطاتها الأمنية والمدنية، والمُحزن تورط الأحزاب اليسارية في الأمر.

لم تترك سلطات تعز لأحد فرصة لإنقاذ تعز أو انقاذهم حتى، انطلاقا من تفريخ الفساد.

يقول أحد المسؤولين "يدفعونك لأن تسرق بالملعقة ليطمئنوا لك، يخضعونك للصمت ويسرقون بالكُريك".

يضربون تعز بتعز، يسلخون في طريقهم كل شيء، الأرض، رمزية القائد، رمزية الدولة، الانتماء.

أفكر أحيانا بأن عليّ أن استسلم لخدعة الأمل وهو يلطف الاحتقان المُعتمل في الروح بفكرة إن أكثر ما يمكن اجتراحه بشأن تعز، كُرة الماء المتهاوية في السقوط من شاهق، هو تأثيث القاع بالدموع والخشوع والصمت والأكف الشاخصة المشرئبة، لامساكها عن التشظي قبل أن تقع على الأرض في لحظة الارتطام الأخير.

تتكوم تعز في الهواء، تتآكل من الأطراف، تتآكل كجغرافيا ومجتمع، تتداعى، تتلاشى، ولا شيء سيبقى منها ليقع على الأرض، لا شيء لنتمكن من الإمساك به، جميعنا يدرك ذلك، جميعنا ينتظر شاخصاً وجلاً هذه اللحظة دون أن يحرك ساكناً. 

جميعنا سنتحسس رؤوسنا غداً.