فكري قاسم

فكري قاسم

تابعنى على

محرج جدًّا من الملكة "إليزابيث"!

Friday 10 March 2023 الساعة 08:39 am

سنة 2003 فزت بجائزة النص المسرحي في مسابقة جائزة العفيف الثقافية، وحصلت على مكافأة مالية قدرها شيك بمائة ألف ريال، خرج خبرها وذاع صيتها بسرعة بين الجيران، وأصبحتُ في يوم وليلة واحدًا من أثرياء الحارة الفقيرة.

بينما كانت كل المقومات الاقتصادية لكل أصدقائي وكل معاريفي المقربين قد انهارت تمامًا، وكلهم كانوا بحاجة ماسة إلى المساعدة والإسناد. 

وأما عاقل الحارة –الله يحفظه– فقد اتصل يهنئني ويبارك لي ويبشرني في نفس الوقت بأن المطر الغزير خرب نص بيوت الحارة! 

وقال يكلمني بالحرف الواحد: إن منظمة الإغاثة الدولية قد تكرمت وستدفع نص المبلغ المطلوب لإصلاح وترميم البيوت اللي خربها السيل، وباقي النص الثاني يحتاج إلى فاعل خير ميسور من أبناء الحارة ليدفع النص الثاني في أسرع وقت “قبلما تقرح المائة الألف الريال”، وقلت له خير إن شاء الله.

خرجت يومها من البيت أمشي على أقدامي في الشارع القريب من  الحارة متجهًا إلى البنك لاستلام الشيك، وأنا أفكر بعشرين مشروعًا سأقوم به قبل أن تقرح عليّ الزلط، أشتي أساهم في إعادة إعمار بيوت الحارة اللي خربت من السيل، واشتي اشتري لأمي تنور غاز، واشتي أدلع نفسي بأي شيء قبلما تقرح المائة الألف الريال جو.

شافني واحد من جيراني بينما كنت أمشي وأنا سارح في التفكير بمبلغ الجائزة، وقال يكلمني ساخرًا:

– هيا ما هو يا فكري، معك مائة ألف وتمشي رِجل؟!

أحرجت منه وقلت شركب «دباب» نقل عمومي.

وبمجرد ما أن وقفت على  ناصية الشارع أنتظر دباب يمشي من جنبي، شافني واحد ثاني من الجيران، وقال مستهجنًا:

– هيا وكيف يا فكري؟ معك مائة ألف وتركب من الفرزة؟! ما بلّا دلع نفسك حتى يوم يا ذاك، مو شتعمل بها؟ آخرتها إلى الطين. 

بطلت أركب دباب وقلت شادلع نفسي وأركب سيارة «إنجيز»، وبمجرد أن فتحت باب التاكس الذي أوقفته، شافني واحد ثالث من الأصحاب حق الحارة وصاح يقول في وجهي:

– والله تطورت الإبل وما عد يركبوا إلا إنجيز! أيش عليك؟ ما هي إلا لك، معك مائة ألف، منو زيك! 

وصلت البنك واستلمت الشيك وأنا محتار ومش داري أيش أعمل بالمائة الألف.

حدث ذلك في وقت عصيب جدًّا بينما كان العالم بأكمله مزنوق  حينها، والمجتمع الدولي كله طفران يخبط القملة بصميل.

وبينما كنتُ واقفًا أطالع عناوين الصحف في أحد الأكشاك بشارع جمال بتعز، شفت في صحيفة «الحياة» اللندنية يومها خبرًا يقول بأن الملكة إليزابيت بشحمها ولحمها تعاني من نقص شديد في السيولة المالية الخاصة بإقامة احتفالات عيد ميلادها السبعين!

وبدأت أفكر جديًّا حينها بأن أقرض الملكة إليزابيث مبلغ المائة ألف الريال واتخارج من كثرة الإحراجات وطلبات الديون المحلية التي إنهالت عليّ كالسيل يومها، فضلاً عن عاقل الحارة الذي اتصل يذكرني بالواجب العام تجاه أبناء الحارة اللي راكنين عليّ أنا أكثر من ركنتهم على منظمة الإغاثة الدولية. 

 وبين هذا وذاك رقّ قلبي للملكة إليزابيث، وكنت متحمسًا جدًّا للقيام بتلك المهمة عشان أفرحها بعيد ميلادها، وأكيد أن الملكة ستتجمل مني كثيرًا، ومش بعيد أن تدعوني لحضور احتفالية عيد ميلادها باعتباري صاحب القرض، وكنت سأبدو بين المعازيم واحدًا من كبار الضيوف الذين سيحظون بالرعاية الكاملة وبالاهتمام الخاص.

ولربما أن الملكة إليزابيث حينها ستضاعف من اهتمامها بي، وستصر عليّ أن أرافقها في جولة الـ30 دقيقة التي يفترض أن تقوم بها من قصر “بيكنغهام” إلى كاتدرائية “سانت بول” على ظهر العربة الملكية المرصعة بالذهب، والتي سيجرها بحسب البروتكول الملكي ثمانية خيول.

 وكنت من بعد ذلك سأرافقها إلى قلعة “وندسور”، حيث سيقام الاحتفال البهيج على شرف الضيوف، وهناك طبعًا ستقدمني الملكة أمام الجميع باعتباري واحدا من أهم كبار الضيوف.

وسأستمع حينها إلى همس المعجبات وهن يؤشرن تجاهي، ويقولين: 

– هاذاك هو الذي سلف الملكة وفك زنقتها وخلاها تحتفل هذا العام. 

ومش بعيد أنني كنت سأسحب البساط  من  تحت الأمير وليام (حفيد الملكة).

ومش بعيد برضه أن تطلب مني الملكة إليزابيث أن أعتلي منصة الخطابة، وألقي على الضيوف كلمة معبرة بالمناسبة السعيدة.

وسأفعل ذلك طبعًا، من دون أي تردد، وسأؤكد للعائلة المالكة دعمي المستمر لها، وسأطمئن الملكة شخصيًّا بأنني لن أطلب منها أي أرباح نظير السلفة التي قدمتها لها في عيد ميلادها الخمسين.

ولا بد أن الملكة إليزابيث سترتاح لكلامي وستتجمل مني وستصمم وبرأسها ألف سيف ما بلا والا والا أتزوج إحدى بناتها، لتقوية العلاقة بيننا، وسأقبل بذلك بكل تأكيد ولن أردها، وسأصبح  من بعد ذلك أنا والأمير تشارلز أنساب.

وكان كل شيء سيذهب في صالحي، لكن منو يخلي لك حالك؟

قرحت المائة الألف الريال جو في غمضة عين، وما عد دريت أين سارت!

معي منها ثلاث تخزينات، ومع أمي منها تنور غاز بعشرين ألف ريال، والبقية بححح، سارت لها مساعدات إنسانية وديون لناس والله ما يقضوني ريال واحد! يعني سارت ديون منعدمة، ولو كنت شاطر ما كنت فرطت بفرصة إسناد الملكة إليزابيث في محنتها. 

– أيوه وما عد عملت مع الملكة إليزابيث وقد كانت راكنة عليك؟ 

– ولا شيء.. خليت أمي تولع التنور وتعمل لها مخبزة ملوج هدية عيد ميلادها مني أنا وأمي !

*نقلا عن موقع اليمني - الأميركي