عبدالحليم صبر

عبدالحليم صبر

تابعنى على

"مش غلط" هل هي رد على أغنية "مش قلت لك يا قلب لا تفتحش"؟

Thursday 07 September 2023 الساعة 05:37 pm

كتب ولحن الشاعر البديع يحيى الحمادي  كلمات الأغنية الجميلة الأخيرة التي غناها الرائع عبدالرحمن السماوي:

"مش قلت لك يا قلب لا تفتحش

مش قلت لك بالحب لا تفرحش

مش قلت لك حاسب على عمرك

الحب مثل الموت ما يرحمش"

وهي للأمانة أغنية –بالنسبة لي– نافذة للزمن الجميل الذي كان أعمدته الفنية أيوب وعبدالباسط وعبدالغفور الشميري وغيرهم.

 وتعتبر صورة شعرية جريئة ترسم لضعفاء النفوس حالهم وتضع لهم محاذير المخاطرة.

خرجت الأغنية للضوء ولم تلاق الرواج والقبول المستحق، ليس لأنها  ركيكة، بل لأن الذائقة الفنية انقسمت إلى قسمين: 

– قسم خضعت ذاكرته بسبب الحرب للزوامل.

– قسم ما زالت ذاكرته تلوك الأناشيد الدينية.

فيما الذوق العام بات تتقاذفه أمواج السوشيال ميديا.. 

هذا الموضوع ذكرنا اليوم بالأغنية التي أطلقتها مؤسسة ميون للأنتاج الإعلامي "مش غلط نشرب سوا شاهي ونتمشي سويّة" بصوت الفنان مروان شمسان وكلمات الشاعر منتصر منصور والتي جاءت وكأنها رد على "مش قلت لك يا قلب لا تفتحش"، وهي بأعتقادي على سبيل المصادفة.

يقول الشاعر يحيى في مطلع قصيدته وهو يخاطب قلبه:

"مش قلت لك يا قلب لا تفتحش

مش قلت لك بالحب لا تفرحش

مش قلت لك حاسب على عمرك

الحب مثل الموت ما يرحمش"

فُهنا الشاعر يضع سياجا للقلب ويحصنه بصيغة التحذيرات الأبوية لمن ما زال عمره في سن البداية وغير قادر على الإبحار بشراع من نار على بحر عواصفه لا تحكمها مراهقة المبتدأ والخبر، بقدر ما يحتكم لقبطان ماهر يبحر بتقديرات "حُبنا حُكم من الأقدار مُرسل".

لكل شاعر طريقته في محاكاة اللغة واستنهاضها من قاعة المعاني والمقاصد.

فبعكس ما جاء به يحيى الحمادي في قصيدته، كان، مثلاً، الشاعر الصريمي معاتباً قلبه بصيغة الرغبة والتقرب "لمو حبيت.. من قال لك تحب.. يا قلب دقاتك تعذبني" ليصل بك الحال شارداً على ضِفة الشوق وقد أستخدمت علبة مناديل لتجفف بها دموع السنين "لمو حبيَّت وقد في داخلك

دنيا مِنْ الآلآم تبكيها السنين...

مو عمل بك روحي المسكين

يا قلبي ... زلج دهره

أنين؟

وبمجرد بزوغ ابتسامتك لغروب الشمس التي طوت يوماً من عمرك، لتنتقل لأغنية تليها في قائمة التشغيل على هاتفك لتجد أيوب متسائلاً بحرقة الحب "أيش معك تتعب مع الأحباب يا قلبي وتتعبنا معك.." في أغنية ضاعت الأيام للشاعر الكبير الجابري.

بينما يبدأ الشاعر منتصر والذي هو حديثنا اليوم في مطلع قصيدته وهو يخاطب محبوبته..

"مش غلط نشرب سوا شاهي ونتمشي سويّة

مش غلط نخفى ونجلس وحدنا حتى العشية

ايش بنخسر لو تعبنا من كلام الحب وأنصفنا القضية".

وهي بداية مبكرة في العلاقة اتسمت بالصراحة في مخاطبة محبوبته لمحاولة جعل هذه العلاقة قضية تتطلب الجلوس على أرئكة الرغبة لنسج خيالات الوصال والوصول متغلبًا على الدرب الشائك مهما تعب من كلام الحب.. 

ويضيف الشاعر هُنا 

"وافهمني يا جنوني 

وانظري داخل عيوني

وابصري كم هو حنيني

واشتياقي يا شقية

بطلي خوفك وقولي مش غلط لو صار لكن عادني بس مستحية"

هذه الصور البديعة تعيد ترتيب الشوارع وتعطر الطرقات لتزيح جبال العمر من على كاهل المعاناة لنبصر أُناسا كانوا على شفا بعدٍ هار حتى اعتنقوا الحب مؤكدين على ما جاء في سورة الفضول "والحب عافى جرحتى وعافاك".

 وهو اعتراف للمحبوبة بالجمال والحُسن الذي تسبب له بالجرح، رغم الأشواك المحاطة بها والتي حددها الشاعر بشكل مباشر في قصيدة لك آيامي حين قال "فارحمينا ألسن الناس وكُفي".

لستُ بصدد قراءة نقدية لما كتبه الشعراء، ولا للمقارنة بين شعراء الأمس واليوم، ولا لتقييم، بقدر ما هو أمر في مقاربة الصور الشعرية الأولى للشاعر يحيى في تحصين القلب من الحب ((مش قلت لك يا قلب لا تفتحش..))

وبين الصورة الثانية للشاعر منتصر في الرغبة للحب:

((مش غلط نشرب سوا شاهي ونتمشي سويّة..))و في أن الصورتين أعادتا إلى ذهني قصيدة الشاعر أحمد الجابري (أشتي أسافر بلاد ما تعرف إلا الحب).

و قصيدة الشاعر الفتيح "لينه شسافر وا عندليب تجر شبابك".

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك