أثار البيان الصادر عن وزير الأوقاف والإرشاد اليمني، الدكتور محمد بن عيضة شبيبة، في 10 يونيو/حزيران 2025، حفيظة المرجعية الحوثية محمد عبدالعظيم الحوثي، الذي سارع إلى الرد بطريقة هستيرية أكدت المؤكد ووضحت الواضح. فقد استنكر مضامين البيان الحكومي اليمني الذي حذر في مجمله من خرافة "يوم الغدير" وعنصرية "الولاية".
نتفهم انزعاج المرجعية العنصرية محمد عبدالعظيم من هذا البيان الحكومي؛ فهو ينتمي إلى ذات السلالة التي تقسم اليمنيين إلى طبقات عليا ودنيا بناء على خرافة الولاية والغدير.
هذا الغضب العنصري والانزعاج العصبوي الذي سمعناه في كلام محمد الحوثي مرده انتماء الرجل إلى السلالة التي يطلق عليها مسمى "آل البيت"؛ فهو غاضب مما يعتقد أنه حق خالص له ولأبناء عمومته، ولا يجوز منازعتهم عليه، وناقم على ملايين اليمنيين الذين يؤمنون بأن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن اليمن لن يُحكم إلا بالشورى والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية.
عبّر العنصري محمد عبدالعظيم بوضوح عن رفضه لفكرة أن يخرج الحكم أو الولاية عن هذا النطاق النسبي/العرقي، مؤكدا أن الإمام "لا يكون إلا من ولد فاطمة" و"آل الله" كما وصفهم في كلامه، كما رفض مبدأ الانتخاب أو المساواة السياسية، ناعتا كل من يرفض هذا الاصطفاء العنصري بـ"الكفار"، و"اليهود"، و"المنافقين"، و"الملحدين"، و"الشيوعيين"... إلخ.
دعونا نقارن بين بيان وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، وبين ما جاء على لسان مرجعية الحوثيين الأول، محمد عبدالعظيم الحوثي.
جاء بيان وزارة الأوقاف ناطقا بروح إنسانية دستورية ووطنية وإسلامية تستند إلى مبدأ الشورى، داعيا إلى التخلي عن مفاهيم ومصطلحات الاصطفاء العرقي، معتبرا أن فكرة "الولاية" تمثل خرافة وعنصرية تتناقض مع جوهر الدين الإسلامي ومبدأ المساواة بين اليمنيين في الدين والوطن والحقوق والواجبات.
من الناحية الإنسانية والحقوقية، يضع بيان الوزارة كرامة الإنسان اليمني -أيا كان انتماؤه الفكري أو الديني أو المناطقي- في مركز الخطاب والدعوة الدينية والثقافية التي يجب أن تكون في المنابر ومجالس الذكر، رافضا أي خطاب أو معتقد أو سياسة تفاضل بين اليمنيين وتقسمهم على أساس النسب، أو تحصر الكرامة والمكانة أو الحكم في فئة بعينها.
وبالعودة إلى صراخ محمد عبدالعظيم، فقد انطلق -وبكل وقاحة- من اعتقاد متشدد قائم النسب العلوي، بما يقصي عموم اليمنيين من أي أفق سياسي أو قيادي خارج حدود عبدالملك ومحمد الحوثي وأبناء عمومتهم ممن يصفون أنفسهم بأنهم "أهل البيت". أليست هذه عنصرية صريحة ووقحة أيضا؟
البيان الوزاري يستند إلى مبدأ المواطنة المتساوية والتعايش، بينما خطاب عبدالعظيم يجذر مبدأ العصبية الوراثية، والاصطفاء السماوي، والعرقية "المطهرة"، ويقسم الناس إلى سادة وعبيد.
يريدون منا كيمنيين أن نقبل ادعاءهم بالامتياز التاريخي.. يريدوننا أن نخضع لسلالتهم.. أن نقبل أقدامهم.. أن نرضى بسحق إنسانيتنا.. وإن رفضنا هذا القبح العنصري فنحن يهود وكفار ومنافقين. هذه هي خلاصة المعركة اليوم.
نعم.. هي وقاحة بلا شك. فكيف لإنسان أن يظهر بكل بجاحة من على المنبر ليدعي أن الله فضله هو وأبناء عمومته على بقية البشر؟ ألا يخجلون من الله ورسوله؟ ألا يخجلون من البشر والشجر والحجر وكل المخلوقات التي تحتقر هذا الخطاب الذي لم يعد صالحا في هذا الزمان؟!
كلام المرجعية العنصرية محمد عبدالعظيم يؤكد أن الخطاب الإمامي السلالي يواجه اليوم تحديا فكريا مباشرا، ينقض الأساس الذي يبرر به السلاليون امتيازهم العرقي طوال القرون الماضية. ورد الحوثي المذكور ليس مجرد اختلاف فقهي كما يتوهم بعض السذج، بل هو رفض لجوهر التعميم الصادر عن وزارة الأوقاف والإرشاد المتمثل في "المواطنة والمساواة" وهي المبادئ الإنسانية والإسلامية العظيمة التي ضمنتها ثورة 26 سبتمبر الخالدة والتي اعتبرها الحوثي محمد عبدالعظيم في حديثه "ثورة ضد الإسلام" وكفر كل من يؤيدها..!
من جانبنا نقول: صراخك يا محمد عبدالعظيم يطربنا. هذا الصراخ لا يشير إلا إلى احتضار خرافة الولاية العنصرية الكهنوتية. وعهدا علينا في اليمن أن نقضي على هذا الفكر العفن ونقتلعه من جذوره.
سنعمل على تجريم العنصرية، وسننجح اليوم أو غدا بإذن الواحد الأحد. وسنحتفظ بكلامك كدليل على قبح وسوء وظلامية الفترة التي كنتم تهيمنون فيها على بلادنا.
من صفحة الكاتب على منصة إكس