لم تكن الشحنة التي أعلنت المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح عن ضبطها عمليةَ تهريبٍ عابرة، ولا حتى تكرارًا لما عُرف سابقًا من محاولات إيرانية لتغذية الحرب في اليمن. 750 طنًا من الأسلحة النوعية تعني أمرًا أكبر بكثير من مجرد إمداد ميليشيا؛ إنها ترسيمٌ واضح لمرحلةٍ جديدة من العلاقة بين طهران والحوثيين، قوامُها بناءُ قدرةٍ عسكرية هجومية متقدمة، متنقّلة، ومتعددة المهام.
الذاكرة اليمنية لا تنسى السفينة “جيهان 1” عام 2013، التي حملت صواريخ “سام” وبعض الأسلحة الخفيفة بوزن لم يتجاوز 48 طنًا. حينها، أحدثت صدمة سياسية وأمنية كبيرة. أما اليوم، فالشحنة المضبوطة تمثل نقلة هائلة من حيث الكمّ والنوع، وهي أخطر عملية تهريب يُعلن عنها رسميًا حتى الآن، بحسب القيادة المركزية الأميركية.
الفيديو الذي بثّته المقاومة الوطنية يُظهر صواريخ كروز، وأخرى بحرية وجوية، وطائرات مسيّرة هجومية، ومنظومات دفاع جوي، ورادارات، ومحركات متطورة للطائرات دون طيار، وتقنيات تجسس. هذه الترسانة المتكاملة كافية لتسليح لواء متكامل متعدد المهام، بقدرات هجومية تغطي البر والبحر والجو، إضافة إلى مهام استخبارات إلكترونية متقدمة.
الأهم من ذلك، أن البيان الأميركي – الذي أتى في أعقاب إعلان المقاومة الوطنية – يؤكد وجود معدات مُصنّعة من شركاتٍ تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، وكتيّبات باللغة الفارسية، ما يعزز الأدلة على أن إيران طرف مباشر في محاولة تقويض الأمن الإقليمي، في خرقٍ واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي.
هذه الشحنة لا تمثل فقط خرقًا جديدًا، بل تكشف زيفَ الرواية الحوثية حول “الاكتفاء الذاتي” و”التصنيع المحلي”. فالمضبوطات تؤكد بجلاء أن جماعة الحوثي ليست أكثر من أداة تنفيذية ضمن مشروعٍ إيراني أكبر، وأن قدراتها العسكرية ليست نتاجَ بنيةٍ داخلية، بل دعم خارجي منظّم، محكوم بتوجيهات وغايات تتجاوز اليمن.
في حال لم تُضبط هذه الشحنة، فمن المرجّح أنها كانت ستُستخدم لتشكيل ألوية بحرية هجومية لشنّ عمليات في باب المندب وخليج عدن، بالإضافة إلى وحدات دفاع جوي متنقلة لحماية مواقع إطلاق الصواريخ. الطائرات المسيّرة كانت ستُوظف لضرب الموانئ والمنشآت الحيوية في المنطقة وعمق البحر الأحمر. أما الرادارات ومنظومات التجسس، فكان هدفُها الواضح هو تمكين الحوثيين من بناء شبكة إنذارٍ مبكر، واستهداف السفن التجارية والعسكرية بدقة أعلى.
في الحقيقة، فإن كل سلاحٍ استخدمه الحوثي داخل اليمن، أو في قصف السفن، أو في استهداف دول الإقليم خلال السنوات الماضية، كان قادمًا من إيران بشكلٍ أو بآخر. الفارق أن هذه الشحنات تم تهريبها دون أن تُضبط، حتى جاءت اللحظة التي ضُبطت فيها طهران متلبّسة، فيما يصلح تسميتُه بـ”عملية قطع الشريان”.
ما تحاول طهران فعله هو تحويل اليمن إلى منصة تهديدٍ إقليمي متعدد الاتجاهات. فالمسألة لم تعد داخلية، بل باتت مرتبطةً بأجندة تفاوض في ملفات أخرى: من البرنامج النووي، إلى أمن الخليج، إلى حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
في المقابل، تُظهر هذه العملية تطورًا ملحوظًا في أداء المقاومة الوطنية. قدرة الرصد والدقة في التنفيذ تعكس نضوجًا أمنيًا واستخباراتيًا، وتفتح الباب لمرحلةٍ جديدة من التعاطي مع التهديد الإيراني.
التحدي اليوم لم يعد محليًا ولا تقليديًا. فهذه الكمية من الأسلحة، بما تحمله من تقنيات هجومية، تُشير إلى مسعى حوثي – إيراني لإرساء ميزان ردعٍ بحري وجوي في البحر الأحمر، وهو ما يستدعي تحركًا إقليميًا يتجاوز الردود الأمنية الظرفية، نحو بناء مظلةٍ أمنية استراتيجية شاملة.
750 طنًا من الأسلحة تمثل قاعدة هجومية متنقلة، كادت أن تُزرع في خاصرة الإقليم، وتم كشفها في الوقت المناسب. لكن ما لم يُحبط بعد هو المشروع الأوسع الذي تقف خلفه طهران.
من صفحة الكاتب على منصة إكس