رجلٌ خمسيني، ملامحه شاحبة من الوجعٍ والقهر يهمس بكلمات أثقل من الموت:"ولدي في ثلاجة الموتى منذ سبع سنوات لا أريد مالًا ولا عزاءً أريد العدالة فقط العدالة."
أمٌ كأن الأرض تسير على ظهرها، تحمل في يديها صورة طفلٍها الذي تم قتله بدم بارد وقاتله ما زال حرا طليقا !!
دموعها منذ سنوات لم تجف، الألم في قلبها لا ينتهي. تسأل كل يوم: اين قاتل طفلي؟! والجواب الوحيد الذي تسمعه هو الصمت ، صمتٌ أقسى من أي صراخ.
أخت جرأت أخيرًا على كسر الجدار، وصرخت : "أين قاتل أخي؟ لكن من يسمع؟!!! تقف العدالة مكبّلة اليدين، تُساق كجثةٍ باردة إلى أرشيف النسيان، بينما القتلة يتجولون يضحكون، ويتمددون كأنّهم لم يقتلعوا من الحياة قلوبًا نابضة، وأحلامًا كانت تحلم فقط بالبقاء.
ثلاجات الموتى لا تتحدث، والدم في تقارير الطب الشرعي صار حبرًا باهتًا، وملفات القتل تُنقل من درجٍ إلى درج، كأنها أوراق بلا أرواح، بلا أسماء، بلا أمهاتٍ وأباء ينتظرون على الأبواب.
يُقتل الأبرياء، ويُدفن صوت الحقّ بين الملفات المغلقة ، القاتل لا يُحاسَب بل يُحمى ، والمظلوم لا يُنصف بل يُسكَت.
العدالة ليست عمياء، بل معمّاة بالقصد، تُعطى لمن يملك النفوذ، وتُحجب عمّن لا يملك سوى الدموع. تُسحق صرخات المظلومين تحت أقدام من يملكون السلاح، ويُحاكم المقهور على جُرحه، ويُبرَّأ القاتل لأنه من "الجهة الأقوى".
في تعز، لا تُقاس المأساة بعدد القتلى، بل بعدد السنوات التي مضت دون أن تُفتح قضية، دون أن يُسجن قاتل، دون أن تُنصف أم، أو يُواسَى أب، أو تُمنح الأخت حقّها في أن تصرخ دون خوف.
فأي عدالةٍ هذه التي لا تأتي إلا لمن لا يحتاجها؟
وأي قانونٍ هذا الذي يفتح أبوابه للقاتل، ويُغلقها في وجه من يُطالب بالحقيقة؟
القاتل ينام هانئًا، والمقتول ينتظر تحقيقًا لم يُفتح بعد.
وفي النهاية، لا تزال الجثث تُحفظ في الثلاجات... والعدالة تُحفظ في أدراجٍ مغلقة، كأنها جثة أخرى لا مَن يسأل عنها.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك