سك عملة معدنية جديدة.. خطوة حوثية تُعمّق الانقسام المصرفي وترفع التضخم
إقتصاد - منذ 5 ساعات و 51 دقيقة
تعتزم ميليشيا الحوثي، عبر ما البنك المركزي في صنعاء الواقع تحت قبضتها، طرح عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالًا، في خطوة مثيرة للجدل يرى مراقبون أنها ستعمّق الانقسام النقدي في اليمن، وتزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية والمصرفية، لاسيما في ظل استمرار رفض الجماعة لتداول الطبعات النقدية الصادرة عن البنك المركزي الشرعي في العاصمة عدن.
وأعلن "مركزي صنعاء"، السبت، عن استكمال عملية سك العملة المعدنية الجديدة، تمهيدًا لطرحها للتداول، مبررًا الخطوة بأنها تأتي "كحل لأزمة الأوراق النقدية التالفة والمتهالكة"، وبهدف "تحسين جودة النقد المحلي"، وفق ما ورد في بيان رسمي.
ويأتي هذا الإعلان بعد أكثر من عام على طرح عملة معدنية مماثلة من فئة 100 ريال، وسط تحذيرات خبراء الاقتصاد من أن هذه الإجراءات تخالف قواعد السياسة النقدية، وتُعد انتهاكًا لاختصاصات البنك المركزي اليمني في عدن، الجهة الوحيدة المخولة بإصدار العملة الوطنية.
وقالت مصادر مصرفية يمنية أن سك ميليشيا الحوثي عملة جديدة تُهدد بانهيار ما تبقى من النظام المصرفي الموحد، وتشكل خطرًا داهمًا على مستقبل الاقتصاد الوطني. مؤكدة أن هذه الخطوات تتم دون رقابة وستؤدي إلى تآكل القيمة الشرائية للعملة، وخلق حالة من الفوضى النقدية التي ستدفع ثمنها ملايين اليمنيين، خصوصًا في المناطق الخاضعة للحوثيين.
وأضافت المصادر: إن طرح العملة المعدنية الجديدة "لن يحل مشكلة التآكل النقدي، بل سيسهم في رفع مستوى التضخم بسبب غياب الشفافية بشأن الكتلة النقدية الفعلية المتداولة في مناطق سيطرة الحوثيين". كما أن "هذه الخطوات تشكل خرقًا مباشرًا للنظام المالي، خاصة أن سك العملة يتم خارج إطار الدولة، وبدون رقابة أو تنسيق مع الجهات النقدية الرسمية، ما يقوّض جهود تحقيق الاستقرار الاقتصادي ويضاعف من هشاشة الثقة بالنظام المالي اليمني".
ويرى خبراء أن الخطوة الحوثية الجديدة تعزز من الانقسام المالي بين صنعاء وعدن، وتضعف قدرة البنك المركزي المعترف به على التحكم بالسياسة النقدية الموحدة، كما تكرّس واقعًا اقتصاديًا مزدوجًا في البلاد المنقسمة أصلًا سياسيًا وعسكريًا.
وقال الخبير الاقتصادي علي التويتي إن إصدار ميليشيا الحوثي لعملة معدنية جديدة من فئة 50 ريال "لن يساهم في معالجة الأزمة النقدية الخانقة التي تشهدها مناطق سيطرتهم"، مؤكدًا أن تأثير هذه العملة سيكون محدودًا جدًا على السوق، ولن يتجاوز دورها في تسهيل ما يُعرف بـ"الفكة" في التعاملات التجارية اليومية.
وأضاف التويتي أن "الميليشيات تسعى لتقديم هذا الإجراء كحل نقدي بديل، بينما الواقع يشير إلى اعتماد متزايد من قبل المواطنين على المحافظ الإلكترونية لسداد مشترياتهم"، ما يعني أن الإصدار الجديد لن يُحدث أي فارق يُذكر في تحريك النشاط الاقتصادي أو تحسين الوضع المالي المتدهور، بل قد يكون مجرد خطوة رمزية لمحاولة التغطية على فشلهم في إدارة المنظومة النقدية.
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي أسامة عمر أن إعلان ميليشيا الحوثي سكّ عملة معدنية جديدة "استثمار ممنهج في الفوضى وضعف مؤسسات الشرعية"، مشيرًا إلى أن الجماعة تحاول استغلال فراغ الدولة لتقديم نفسها كطرف "أكثر استقرارًا" في إدارة السياسة النقدية، بهدف تسويق صورة مضللة إقليميًا ودوليًا، تتنافى مع الواقع الاقتصادي المنهار في مناطق سيطرتها.
وقال عمر، في منشور على حسابه بموقع فيسبوك، إن "الحوثي يسعى من خلال هذه الخطوة إلى استخدام العملة الجديدة كورقة تفاوضية جديدة ضمن صراع طويل الأمد، في حين أن الحكومة الشرعية للأسف لا تزال تفتقر إلى استراتيجية نقدية موحدة ومواجهة فعالة". وأكد أن أحد أبرز المخاوف هو "عدم وجود معلومات شفافة حول حجم الكتلة النقدية التي تعتزم الميليشيا ضخها تحت غطاء العملات المعدنية"، محذرًا من أن مناطق الشرعية ستكون الأكثر تضررًا من التدهور والتضخم الناتج عن هذه السياسات الأحادية.
وشدد عمر على أن "الجماعة لن تتوقف عن هذه السياسات التدميرية إلا إذا وُوجهت بحلول واقعية تُعيدها إلى حجمها الحقيقي كعصابة انقلابية، لا كسلطة شرعية".
وكان البنك المركزي اليمني في العاصمة عدن أصدر بيانًا سابقًا، عند إعلان ميليشيا الحوثي عن سك عملة معدنية من فئة 100 ريال أواخر مارس/آذار من العام الماضي، اعتبر فيه تلك الخطوة "إصدارًا غير قانوني لعملة مزوّرة"، مشددًا على أن البنك المركزي في صنعاء "كيان غير شرعي يخضع لسيطرة انقلابية".
ووصفت سلطات البنك في عدن تلك الإجراءات بأنها "تصعيد خطير يُقوّض الاستقرار المالي"، محذرة جميع المؤسسات والأفراد من التعامل مع أي عملات صادرة عن فرع البنك في صنعاء، ومؤكدة أن تداولها يُعد مخالفة قانونية تعرّض مرتكبيها للمساءلة.