الحرب النقدية وأوهام الاستقرار.. ثلاث ملاحظات في زمن التلاعب بالعملة
السياسية - منذ 6 ساعات و 18 دقيقة
وسط ما يبدو أنه موجة تفاؤل غير مكتملة الأركان، يتابع اليمنيون تقلبات سوق الصرف المحلية خلال الأيام الماضية، بعد تسجيل العملة الوطنية تحسنًا لافتًا أمام العملات الأجنبية، في مشهد أثار تساؤلات واسعة حول طبيعة هذا "الاستقرار المفاجئ" ومدى قدرته على الصمود، فضلًا عن حقيقة العوامل المحركة له.
فعلى الرغم من الترحيب الشعبي بأي انفراجة مالية تخفف من معاناة المواطنين، يرى كثير من المتابعين أن هذا التحسن لا يزال هشًّا وغير مؤسس على قواعد اقتصادية متينة. وبينما يُسارع بعض التجار لتعديل الأسعار، يظل معظم السوق مترددًا، ما يعكس فقدان الثقة في استمرار هذا التعافي.
في هذا السياق، قدّم الكاتب والمحلل الاقتصادي مسعود أحمد زين عبر صفحته في "فيسبوك"، قراءة لافتة بعنوان "ثلاث ملاحظات على هامش التطورات النقدية"، تتناول أبعاد المشهد النقدي الراهن، وتوضح أسباب الحذر في قراءة التحسن الحالي.
يبدأ زين ملاحظاته بتأكيد أن تقييم المعالجات المالية لا يمكن أن يكون بمعزل عن الواقع السياسي والأمني، قائلاً: "نحن دولة في حالة حرب، والانهيار في قيمة العملة الوطنية جاء جزء كبير منه بشكل مفتعل ومتعمد لأهداف سياسية، وليس بحكم قانون العرض والطلب فقط."
يشير بذلك إلى أن المضاربات على الريال اليمني ليست عشوائية، بل جزء من "حرب اقتصادية ممنهجة" تستهدف المناطق المحررة، ما يفرض على الجهات الرسمية استخدام أدوات غير تقليدية لوقف هذا النزيف، وليس الاكتفاء بوصفات مالية كلاسيكية لا تراعي واقع البلاد المتشظي.
في ملاحظته الثانية، يدعو الكاتب إلى التريث في تقييم أسعار السلع، مبينًا أن السوق بحاجة إلى فترة استقرار حقيقية في سعر الصرف، حتى يمكن قياس أثرها على أسعار المواد الأساسية.
كما يلفت إلى أهمية الدور الشعبي في مراقبة السوق، قائلاً: "الحماس الذي يبديه الناس في متابعة أسعار البضائع ومدى الالتزام بالتخفيض، يجب أن يبذله المواطن أيضًا في مساعدة الجهات الرسمية لضبط سوق العملة والإبلاغ عن المتلاعبين."
يرى زين أن أي استقرار نقدي حقيقي لا يمكن أن يكتمل دون تنظيم التحويلات المالية بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة وتلك التي تحت سيطرة الحوثيين.
"يجب على الدولة وضع الآلية المناسبة للحوالات المالية من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرة الحوثي، والعكس، حتى تكتمل أضلاع المعالجة النقدية الصحيحة للعملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية."
ويُنظر إلى هذا الملف على أنه نقطة ضعف رئيسية في أداء القطاع المالي، حيث يستخدمه المضاربون وسماسرة السوق السوداء كنقطة ارتكاز لزعزعة أي استقرار.
في ظل غياب الشفافية الكاملة حول أدوات البنك المركزي، وسيطرة جماعة الحوثي على جزء كبير من الجهاز المصرفي، تبقى الحرب النقدية إحدى أدوات الصراع المفتوحة بين الأطراف المتنازعة، وتُستخدم العملة أحيانًا كـ"سلاح اقتصادي" أكثر من كونها أداة للتنمية.
ورغم أهمية التحسن الأخير في سعر الريال، إلا أن استدامته مرهونة بإجراءات حكومية جادة، أبرزها ضبط السوق السوداء، وتفعيل الرقابة على شركات الصرافة، وتعزيز التنسيق مع القطاع التجاري لتخفيض الأسعار فعليًا، لا على الورق فقط.