على خطى الحوثي.. أصوات الحرية تحت إرهاب الإخوان في مأرب
السياسية - منذ ساعة و 45 دقيقة
في مدينة مأرب، الواقعة تحت سيطرة تنظيم الإخوان، المشهد لا يقتصر على حادثة منفردة بقدر ما يكشف عن نمط متزايد من التضييق على المجال العام، اعتقالات مباغتة، نفي رسمي، وشهادات شخصية تخرج تباعًا لتضع الأجهزة الأمنية والعسكرية الموالية لحزب الإصلاح أمام أسئلة ثقيلة عن الشرعية والمساءلة.
ما يتسرب من الوقائع اليومية يوحي بمنحنى يهبط بثقة الناس في المؤسسات، ويصعد بالخوف كعملة متداولة، صحفي يُسحل من أمام منزله، وناشط يروي تفاصيل تعذيب لا يترك مجالًا للالتباس، وحالة صمت رسمي تترك فراغًا يملؤه الغضب والشك. وفي الخلفية، هشاشة معادلة الأمن والحرب، ومحافظة تتأرجح بين ضرورات المواجهة مع الحوثيين ومتطلبات دولة قانون يشعر فيها المواطن أن كرامته مصونة.
اعتقال على خطى الحوثي
السبت، أقدمت قوة مسلحة مجهولة على اعتُقل الصحفي حمود هزاع، بطريقة وُصفت بالعنيفة من منزله في مخيم الجفينة بمدينة مأرب، إدعت القوة أنها تتبع المنطقة الأمنية الرابعة دون إبراز مذكرة قضائية أو توجيه تُهم معلنة.
وقبل اعتقاله، كتب هزاع تحت حالة الذعر على حسابه على "فيسبوك" أن "قوة أمنية من المنطقة الأمنية الرابعة في مأرب أقدمت على اقتحام المنزل بعد كسر بوابته وترويع الأسرة والأطفال". وقال: "أنا صحفي، وإذا في ضدي أي بلاغ يرجى التقدم بشكوى إلى النيابة.. كل ما أتمناه التعامل وفق القانون".
وأفاد مصدر إعلامي في مأرب أن القوة الإخوانية اقتحمت المنزل وكسر بابه، ما بث الهلع في أسرته وأطفاله، أعقب ذلك مصادرة للهواتف والأجهزة ونقله إلى جهة غير معلومة. وأشارت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين "صدى" إلى أن رئيسها تواصل مع قيادة المنطقة الأمنية الرابعة التي نفت احتجازه لديها، رغم أن الطقم الذي داهم المنزل عرّف نفسه بأنه تابع لها.
وطالبت "صدى" بالإفراج الفوري عن هزاع والكشف عن مكان احتجازه وإعادة ممتلكاته، ووصفت الإجراءات بـ"المبالغ فيها وغير القانونية"، مؤكدة أن فريق دفاع من منظمة "ضمان" يتولى المتابعة.
وأطلقت حادثة الاعتقال موجة تضامن واسعة بين الصحفيين والحقوقيين، مع دعوات لفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المتورطين، وحثّ للنقابات والمنظمات المحلية والدولية على التدخل والضغط لوقف الانتهاكات المتكررة بحق الصحفيين في المحافظة.
قمع إخواني متواصل
ما جرى للصحفي هزاع تزامن مع تقديم المختطف سلطان نبيل قاسم شهادة مرئية على "فيسبوك" تحدّث فيها عن تحويل فرع جهاز الأمن السياسي في مأرب إلى أداة قمع بيد قيادات في حزب الإصلاح، على حد وصفه. وتضمنت الشهادة اتهامات خطيرة بقيام قيادي يُدعى هلال عزيز الفيشاني بعرض تشكيل مجموعة للاعتداء على القائد العسكري محسن البيضاني، تمهيدًا لتصفيته داخل المستشفى مقابل مكافأة مالية. يقول قاسم إنه أبلغ البيضاني فتحرك الأخير عبر المسار القانوني، لتبدأ بعدها ضغوطٌ لمغادرته مأرب ثم حملة استهداف طالت ناشطين تناولوا القضية.
ويفيد قاسم بأنه تعرض للاعتقال على يد قيادي يُعرف بـ"أبو عقيل" قائد المنطقة الأمنية الرابعة، وتعرض لتعذيب قاسٍ شمل الصعق بالكهرباء والحبس في دورة مياه ضيقة، وإجباره لاحقًا على توقيع اعترافات، بينما عُرض عليه تغيير شهادته مقابل الإفراج عنه. ويستطرد أنه ظل محتجزًا 15 شهرًا بتُهم يعتبرها ملفقة، قبل أن يُنقل إلى السجن المركزي ثم يُفرج عنه بضمانة، وسط تهديدات لاحقة لإجباره على الإقرار بأقوال النيابة. تؤكد الشهادة أن آثار التعذيب ما تزال بادية على جسده، وأن سبب الاستهداف كان شهادته أمام القضاء مع العقيد محسن البيضاني.
تنديد دون جدوى
وندّدت نقابة الصحفيين اليمنيين بما تعرض له الإعلامي حمود هزاع من اعتقال تعسفي وتفتيش منزله ومصادرة بعض أغراضه في مأرب، وطالبت بسرعة إطلاق سراحه.
وذكرت النقابة أن "حمود هزاع كان كتب على صفحته في الفيسبوك عن هذا الاقتحام فور وقوعه"، مطالبًا "بتفعيل القانون في الطرق المتبعة مع شخص صحفي مدني أعزل". وأضافت: "نقابة الصحفيين اليمنيين وهي تدين هذه الواقعة تطالب محافظ المحافظة بالتدخل وتوجيه السلطات الأمنية بالكشف عن مكان اعتقاله وسرعة إطلاق سراحه وعدم التعامل بعدائية مع أصحاب الرأي والتعبير".
وفيما حملت النقابة "الجهات الأمنية" الموالية للإخوان كامل المسؤولية عما حدث، أكدت أن "هزاع سبق أن تقدم بشكوى للنقابة من تهديدات وتحريض ضده من قبل ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية ما يكتب عبر صفحته في فيسبوك". وأعربت النقابة "عن استهجانها لتورط من يقدمون أنفسهم كناشطين وصحفيين في التحريض على الصحفيين ومساندة قمع حرية الرأي والتعبير".
وجددت "النقابة مطالبتها بتوفير بيئة آمنة للعمل الصحفي واحترام حرية الرأي والتعبير وعدم الضيق بالآخر، أو استخدام القوة لمواجهة أصحاب الرأي".
وقائع متكررة ومهينة
تتكرر في الوقائع المعلنة عناصر مشتركة تُشير إلى نمط مقلق، هي مداهمات دون إذن قضائي، إنكار رسمي للمسؤولية عن أماكن الاحتجاز، ومصادرة ممتلكات شخصية خارج إطار الإجراءات القانونية. كما تُظهر الشهادات استخدام وحدات أمنية متخصصة وأساليب تعذيب ومعاملة مهينة، بما يضع الأحداث في خانة الانتهاكات الجسيمة لالتزامات حقوق الإنسان والإجراءات الجنائية السليمة.
ما حدث للصحفي هزاع ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة للقوات الموالية للإخوان في مأرب، حيث سبق في مايو/ أيار الماضي أن اعتقلت الصحفي عبدالرحمن الحميدي قبل أن تطلق سراحه تحت الضغط الإعلامي.
وحسب الحميدي فإنه "تعرض للتعامل القاسي، والاقتياد إلى مكتب مدير المنطقة الأمنية، وتم استجوابه من قبل مدير المنطقة، ووجهت له التهم بالإخلال بالأمن القومي وخدمة مليشيات الحوثي، وطلب منه حذف منشوره عنوة وحُبس لساعات قبل إطلاق سراحه بضمانة حضورية".
بحسب النشطاء أن الأثر يتجاوز الأفراد إلى بيئة عامة متوترة، ويتراجع فيها سقف حرية التعبير وتزداد كلفة العمل الصحفي والحقوقي، مع رسائل ترهيب تُفرغ القضاء من دوره وتضعف ثقة المجتمع بالدولة.
وأعاد نشطاء في مأرب تصاعد هذه الانتهاكات إلى فقدان سيادة القانون، حيث يغيب أو تغييب أوامر الضبط والتفتيش وإحلال القوة محل المسطرة القضائية يضرب مبدأ الشرعية. وكذا انعدام المساءلة، فتضارب الروايات الرسمية والإنكار يقوض أي مسار للتحقيق الشفاف ويترك مساحة للإفلات من العقاب. كما أن سلامة الصحفيين والمعتقلين باتت في خطر حيث يتم الاستهداف ومصادرة أدواتهم وترويع أسرهم وتضييق الخناق عليهم في محاولة منهم لتطمس الحقيقة خوفًا من فضح الانتهاكات للرأي العام.
تضامن واسع
وتصاعدت حملات التضامن مع حمود هزاع وسلطان قاسم وناشطين آخرين، مع دعوات لتحقيق مستقل وشفاف ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. ودعا ناشطون ونقابيون ومنظمات حقوقية إلى تدخل المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة وحقوق الإنسان، بما في ذلك اليونسكو والعفو الدولية ومراسلون بلا حدود، للضغط باتجاه إيقاف الاعتقالات التعسفية وضمان محاكمات عادلة. وعلى المستوى المحلي، وُجّهت الدعوات لعضو مجلس القيادة الرئاسي، محافظ مأرب، سلطان العرادة لتحمّل مسؤولية الإشراف والمساءلة في مأرب، واتخاذ إجراءات فورية لوقف التجاوزات واستعادة هيبة القانون.
وأكد الصحفي رضوان الهمداني أن شهادة سلطان قاسم تتقاطع مع معلومات سابقة لديه عن خلايا اغتيالات وملفات اعتقال، ودعا إلى موقف حازم لتصويب المسار وقطع الطريق على ممارسات تُشبه ما يقترفه الحوثيون، بحسب تعبيره.
ويأتي ذلك في سياق أوسع من التضييق على الحريات في مناطق تُوصف بأنها تحت نفوذ قيادات محسوبة على تنظيم الإخوان، حيث يتقاطع هاجس الأمن مع صراع سياسي مفتوح وبيئة حرب تستنفر أدوات الدولة. لكن مسؤولية حماية الحقوق لا تسقط في ظروف النزاعات؛ بل تتضاعف، لأن تجاوزات الأجهزة تضرب السلم الأهلي وتصب في صالح فوضى تضعف الجبهة الداخلية. التحدي أمام السلطة يكمن في موازنة ضرورات الأمن مع صرامة سيادة القانون، عبر ضبط الوحدات الأمنية، واحترام القضاء، وتحصين الصحافة من الاستهداف.