الدورات الثقافية الحوثية: كل خصومهم دواعش والقرآن ناقص وإرسال الأطفال للجبهات

المخا تهامة - Thursday 22 March 2018 الساعة 09:34 am
فارس جميل، نيوزيمن:

في أكتوبر 2017 تم أخذ قرابة 70 معلما من محافظة صنعاء إلى "الدورات الثقافية" التي ينظمها الحوثيون للقطاعين المدني والعسكري من موظفي الدولة، ولأن أخذهم إليها جاء بعد أكثر من عام على انقطاع الراتب، فقد حدثت فيها مشاهد مؤلمة لكثير منهم.

أحد المعلمين في أول وجبة الغداء ومع أول لقمة من اللحم وصلت إلى فمه، تساقطت دموعه بالتوازي مع حركات فمه لمضغ قطعة اللحم إياها، استغرب زملاؤه من حوله، والتفتوا لسؤاله عما يحدث معه، وعن سر دموعه.
"عيالي لهم سنة ما ذاقوا لحمة، ما هنيت نفسي أكلها وحدي، وهم ما بش معاهم". 
هكذا رد باختصار مكثف وصادم.

من حق كل أب أن يبكي لحرمان أولاده من اللحم عاما كاملا، بينما أصغر مشرف للجماعة يمكنه إنفاق موازنة أسرة لشهر كامل ثمنا لقاته اليومي، ومن يشاهد عمليات الإنفاق على الدورات إياها سيتأكد بأن توفير المرتبات ليس صعبا أبدا، فالملايين والمليارات تصرف في سبيل توسع وتمكين الجماعة كل يوم، وبكل بساطة.

هل هناك استهداف خاص للمعلمين، أم أن الأمر يشملهم كجميع الموظفين دون استثناء؟
قبل أشهر أبلغني صديق يعمل في منظمة إغاثة دولية، أنه أثناء إشرافه على توزيع مواد غذائية تقدمها منظمته لسكان أمانة العاصمة، كان المسؤول الحوثي المرافق لفريق المنظمة يمنعهم من صرف الحصة الغذائية لأي مدرس في الحارة المستهدفة، بينما لا يفعل ذلك مع أي مواطن آخر، سواء كان موظفا أم عاطلا.
فقط عندما يعلم أن ساكن هذه الشقة هو أحد المدرسين يمنع صرف سلة الغذاء لأسرته، ولا يتكرر الأمر مع أية شقة أخرى إلا إن كانت لمدرس آخر.
بعد كسر حاجز الرسميات بين موظف المنظمة ومشرف الحوثيين، بانتهاء مهمة توزيع الحصص الغذائية سأله الموظف عن سر منع صرف الغذاء للمعلمين تحديدا.
"كلهم دواعش" كانت تلك هي إجابته، لا أقل ولا أكثر.

ولأن من الصعب إلحاق ملايين الطلاب في التعليم العام بـ"الدورات الثقافية" الإجبارية، كان لابد من ابتكار طرق بديلة، لإيصال الفكرة ذاتها إلى الطلاب، عبر المناهج المستحدثة أو المدرسين غير التربويين كبدائل لهذه "الدورات الثقافية"، حدث ذلك في عشرات المدارس بالعاصمة التي يقتصر الحديث عليها هنا.

في إحدى المدارس الثانوية، تم استبدال مدرس القرآن بمدرس جديد ينتمي لجماعة الحوثيين، جاء الرجل مبشرا بنفسه في أول حصة، ليخبر طلابه بأن القرآن المتداول ناقص وغير مكتمل، وأنه لا وجود لما يسمى بالخلفاء الراشدين فهم من تآمر على القرآن وأخرج نسخته الناقصة المعروفة للمسلمين اليوم، وما إلى ذلك من أطروحات لم أكن أصدق بأي شكل إمكانية حدوثها، ولطالما اعتبرت الحديث عنها مجرد مبالغات تهدف لتشويه الجماعة.
هكذا دفعة واحدة صدم طلابه، وعاد إلى بيته وقد أدى مهمته المقدسة.
المعلم الذي أكد لي المعلومة بعد أن سمعتها من بعض الطلاب، طلب عدم الإشارة لاسم المدرسة حتى لا يتعرض للخطر، فقد قام الحوثيون بتغيير مدير المدرسة في البداية، ووضعوا مديرا مقربا منهم بدلا عنه، وهو مستعد لاصطياد أية ثغرة للتخلص من أي معلم.
وحسب المعلم وطلاب آخرين فالمدير ذاته أشرف على محاضرات عنصرية وعرض مقاطع فيديو لعناصر من (داعش) وهي تنفذ عملياتها البشعة التي لا يمكن لعقل سوي مشاهدتها، عرض تلك المقاطع على طلاب هم أهم عقول يمتلكها اليمن وفي المرحلة الثانوية الأشد حرجا من كل المراحل العمرية الأخرى، وكانت تلك المشاهد مجرد مقدمة لتمرير ما أراد أن يعتبره كشفا تاريخيا.
هذه المقاطع المرعبة تقوم بها (داعش)، وبكل بساطة فإن الشرعية هي (داعش) بالنسبة له ومن يتعاطف معها متعاطف مع (داعش)، وذلك ما يريد أن يغرسه في تلك العقول، ومن يدري كم عدد من تأثر منهم بها، وكم عدد من صدق معلومات هذا المدير الكارثة التي ربطت بين خصوم سياسيين و(داعش)، دون اعتبار للأثر النفسي على الطلاب على أقل تقدير.

القفز إلى ذروة ما يمكن اعتباره أولوية حوثية في هذه المرحلة يتم كل يوم، والمسألة ليست مجرد حدث عابر أبدا.

في مدراس أخرى حدثت قصص أخرى لم يعد الناس قادرين على مواجهتها، ويفضلون الصمت الآمن على مخاطر المعارضة، ولو إلى حين.

قال لي والد أحد الطلاب المتفوقين إنه فضل إرسال ولده إلى مدرسة أهلية بدلا عن تسجيله في مدرسة عبدالناصر للمتفوقين التي يعد الالتحاق بها حلما لآلاف الطلاب خوفا من تعرضه لتأثير الجماعة فيها.

قال الرجل بحسرة "أوقفوا كل امتيازات المدرسة كبرنامج التوفل والأنشطة الابتكارية الأخرى، وأوقفوا بدل المواصلات التي كانت تصرف للطلاب، وبدلا عنها حولوا الطلاب إلى هدف للاستقطاب بطرق مرعبة قد تحطمهم وتحولهم من مبدعين إلى ألغام موقوتة".

وزير التربية المبجل لم يلتحق بسلك التعليم يوما ما، وكل مؤهلاته أنه أخ لزعيم الحوثيين، ووزارته توجه بشكل دائم بإقامة فعاليات الجماعة داخل كل مدرسة، ويقوم معلمون موالون للجماعة بسحب عشرات الطلاب إلى ساحات الموت بمباركة الوزير ابن بدرالدين.

بعيدا عن المناهج، وعن المناسبات الدخيلة والطائفية التي يتم إحياؤها في المدارس وفي ساحات الطابور الصباحي، هناك استبدال وإحلال للمعلمين الرسميين بآخرين تم تأهيلهم للعمل لمصلحة الجماعة دون أي اعتبار آخر، خاصة معلمي المواد المتعلقة بالهوية الفكرية كالقرآن والإسلامية والتربية الاجتماعية.

منذ تولي الحوثيين السلطة بصنعاء، يتم كل عام منح مئات المقاتلين صغيري السن في صفوف الجماعة معدلات مرتفعة في امتحانات الشهادة الثانوية باعتبارهم (مجاهدين) ولم يحضروا أية مدرسة ولا يفقهون شيئا من المنهج، ويحصلون بتوجيهات عليا من الجماعة على مقاعد في أهم الكليات والجامعات بما فيها كلية الطب، ولهم الأولوية على كل من أفنى سنوات عمره بحثا عن فرصة تعليم وعمل لائق.

ذات ظهيرة عاد ابني وزميلاه من المدرسة وليس في وجوههم قطرة دم واحدة.
لقد ظهر زميلهم الذي اختفى أثره قبل أسبوع واحد بشكل مفاجئ، لكنه عاد مجرد أشلاء ممزقة لا يمكن التعرف عليها، لقد قام معلم القرآن بإرساله إلى الجنة بتلك الطريقة الجهنمية التي تتمتع بها (داعش) ولا ينافسها فيها غير الحوثيين.
إنهم يهدمون عقول أبنائنا، ويردمون بوابات عبور من تبقى منهم إلى المستقبل وبدم بارد وضمير كامل الطمأنينة.