واشنطن تضيّق على قطر هامش لعبة الحياد إزاء الأزمة الإيرانية

السياسية - Tuesday 02 July 2019 الساعة 05:29 pm
عدن، نيوزيمن:

شكّل إعلان الولايات المتّحدة الأميركية عن نشرها مجموعة جديدة من المقاتلات في قاعدة العديد الجوية حرجا جديدا لقطر وعقّد عليها إمكانية مواصلة التعاطي مع الأزمة القائمة بين طهران وواشنطن بأسلوب مسك العصا من وسطها عبر محاولة الحفاظ على مستوى جيّد من العلاقات مع الطرفين المتضادّين.

وأظهر بيان للقيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية أصدرته في وقت سابق بشأن نشر مقاتلات من طراز أف 22 رابتور في قاعدة العديد بقطر، عزم الولايات المتّحدة على استخدام القاعدة الجوية الضخمة بشكل رئيسي في أي نزاع مسلّح مع إيران يمكن أن تفضي إليه موجة التصعيد الحالية، الأمر الذي سيعني بالنتيجة استخدام الأراضي القطرية في ضرب إيران وإقحام الدوحة قسرا في النزاع، وبالتالي إنهاء لعبة التوازن التي حاولت قطر تطبيقها عبر الإيهام بأنّ علاقاتها بكلّ من طهران وواشنطن غير قابلة للتأثر بالتجاذبات والتهديدات المتبادلة بين الطرفين.

وجاء نشر المقاتلات أف 22 استكمالا للتعزيزات العسكرية الأميركية في قاعدة العديد بعد أن أرسلت الولايات المتّحدة في مايو الماضي إلى القاعدة نفسها عددا من قاذفات بي 52 العملاقة إلى جانب عدد آخر من العتاد الحربي المتطوّر.

ويتمركز نحو 13 ألف عسكري أميركي غالبيتهم من سلاح الجو في قاعدة العديد العسكرية الجوية التي تمثل أكبر تواجد عسكري للولايات المتّحدة بالشرق الأوسط وتقع على بعد 30 كلم جنوب غرب العاصمة القطرية الدوحة.

وأظهرت صورة تمّ توزيعها على وسائل الإعلام خمس مقاتلات أف 22 وهي تحلّق فوق قاعدة العديد الجوية في قطر.

وتشرف القيادة المركزية بالجيش الأميركي على الأعمال العسكرية للولايات المتحدة في بلدان عدة بينها سوريا واليمن والعراق وأفغانستان.

وانخرطت طهران وواشنطن في خلاف تصاعدت حدّته منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الدول الكبرى وإعادة فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وارتفع منسوب التوتر مؤخرا عندما أسقطت إيران طائرة أميركية مسيّرة فوق مياه الخليج بعد سلسلة هجمات استهدفت ناقلات نفط واتهمت واشنطن طهران بالوقوف خلفها.

وانخرط البلدان في حرب كلامية تصاعدت الأسبوع الماضي مع إعلان ترامب عن عقوبات جديدة بحق المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.

ويقول الرئيس الأميركي إنّ بلاده لا تهدف إلى خوض حرب ضدّ إيران، لكنّه يحرص في الوقت ذاته على تأكيد عدم استثناء الخيار العسكري ملوحا بأن الضربة الأميركية في حال حدوثها ستكون سريعة وقاصمة.

وهددت إيران من جهتها بالتخلي عن بعض التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي ما لم تساعدها باقي الدول الموقعة عليه؛ بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا، في الالتفاف على العقوبات الأميركية وخصوصا تلك المرتبطة بمبيعاتها من النفط.

وسيعني استخدام الولايات المتحدة لقاعدة العديد في ضرب إيران انعدامَ أي قرار سيادي للدوحة بشأن علاقاتها الخارجية، إذ أنّها ستتحوّل لحظة انطلاق أوّل مقاتلة أميركية من قاعدة العديد لقصف أهداف إيرانية من صفّ “الصداقة” لطهران إلى صف العداء لها بشكل قسري. وبذلك تتحوّل العلاقة مع إيران والتي حرصت قطر على الإبقاء على متانتها، من وسيلة لمقاومة العزلة المفروضة عليها بفعل مقاطعتها من قبل أربع دول عربية بسبب دعمها الإرهاب، إلى عبء وتكريس لتلك العزلة.

وأقدمت كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين قبل نحو عامين على مقاطعة قطر بسبب دعمها للإرهاب وتهديدها استقرار المنطقة، ما جعل الدوحة تسارع إلى تمتين علاقاتها مع كلّ من تركيا وإيران في عملية رأى المحلّلون السياسيون أنّها تنطوي على مخاطر كبرى للدوحة نظرا لعدم تكافؤ القوى بينها وبين طهران وأنقرة ما يجعلها عرضة للابتزاز والاستغلال بما في ذلك إقحامها في ملفات شائكة وحساسة ممثل ملف العقوبات على إيران التي لا تقبل الولايات المتحدة بخرقها من قبل أي بلد بما في ذلك حلفاؤها. ولا يمثّل الإبقاء على مستوى جيّد من العلاقات بين طهران والدوحة مطلبا لقطر وحدها، بل هو أيضا حاجة لإيران التي تحاول مقاومة شبح العزلة الدولية والإقليمية وتبحث عن متنفّس اقتصادي في مواجهة العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.

والأسبوع الماضي ذكر مسؤول إيراني أنّ حجم الصادرات الإيرانية إلى قطر تضاعف تسع مرات خلال العامين الماضيين، مشيرا إلى وجود توقعات بارتفاع التبادل التجاري مع قطر إلى خمسة مليارات دولار وذلك من خلال خطط تم وضعها للغرض.

ويشكّك خبراء اقتصاديون في دقّة تلك الأرقام ويعتبرون أنّ الغاية من ترويجها سياسية، وتتمثّل في توجيه رسائل لواشنطن بأنّ طهران لن تعجز عن إيجاد منافذ لخرق العقوبات، وأن قطر من بين تلك المنافذ، غير أن الولايات المتحدة لا تبدو مكترثة بالعلاقات القائمة بين قطر وإيران، لعلمها أن المسألة شكلية وأنّ الدوحة لا يمكن أن تقدّم شيئا لطهران في مواجهة الضغوط التي تواجهها، وأنّ قطر لن تملك في الأخير سوى الإذعان بشكل كامل لما تتّخذه واشنطن من إجراءات عملية ضدّ إيران حتى وإن وصل الأمر إلى استهدافها عسكريا انطلاقا من الأراضي القطري.