في رحلة بنوم بنة-كولالمبور.. البولندية ألينا: اليمني عدو بلاده!

تقارير - Friday 24 April 2020 الساعة 11:50 am
كولالمبور، نيوزيمن، فاروق ثابت:

قبل أكثر من ساعة عن موعد الحضور دلفت بوابة المطار مغادراً العاصمة "بنوم بنة".

كانت الصالة مكتظة بالمغادرين الأجانب معظمهم أوروبيون، فيما انا أحملق في الصالة من الداخل، المنحوتات البديعة، الرموز، آلهتهم ومعبودتاهم البارزة بشكل ملفت وجميل.

المطار أُنجز حديثاً كما يبدو واستغربت كيف تم تجهيزه على هذا النحو وكمبوديا دولة فقيرة.

صعدت إلى الأعلى للتو من تأشيرة الخروج متجهاً صوب بوابة المغادرة رقم 2 وموظفات وبائعات السوق الحرة يبتسمن عن يمين وشمال قائلات: "نتمنى لك رحلة سعيدة".

لكن الطائرة "ميلندو" تأخر مجيئها عن الموعد المحدد أكثر من ساعة فيما أنا متعب للغاية ولم أنم تلك الليلة بسبب قلق السفر وترتيباته الذي اضطرني للخروج في الصباح الباكر باحثاً عن محال طباعة كي أصور التذكرة التي كانت لدي فقط نسخة "بي دي إف" على "الواتس آب".

مر الوقت طويلاً وواجهته بعناء فيما المغادرون يتوافدون إلى الصالة من مختلف الجنسيات معظمهم صينيون، وكلهم يرتدون كمامات، الأمر الذي جعلني متخوفا من لمس أي شيء، وبخاخ المعقم الذي بحوزتي لا ينفك دخولاً وخروجاً من جيبي لرش يدي مع أي لحظة سهو ألمس فيها أي شيء من حولي.

أخيراً حضرت "ميلندو"، واستقللت مقعدي الذي كان بجانب النافذة لحسن الحظ.

فيما اتضح أن الطائرة المكتظة بالركاب لم تسجل ركاباً في مقعدي المفترض جلوس ثلاثة أشخاص فيه سوى راكبين اثنين.

لأعرف فيما بعد أن الراكب الذي أتي في ذات المقعد دفع عن شخصين حتى يأخذ راحته بعد عدم تمكنه من الحجز في الدرجة الأولى.

وفجأة أتت الراكبة، وهي سيدة ستينية تبدو ملامحها أوروبية لتجلس في الوقت الذي كنت ظننت أنني سأكون بمفردي دون الراكبين الآخرين.

لتقلع الطائرة بعد ذلك بدقائق، فيما تعليمات السلامة وابتسامة المضيفات الفاتنات لم تتوقف للركاب.

وبينما كانت ترتفع الطائرة كنت أرى أطراف "بنوم بنة" من تحتي مجموعة أكواخ أشبه بقرية صغيرة لفلاحين يناضلون لأجل العيش على عكس كثير من الدول التي ترى أبراجها ومدنها من الأعلى بمجرد ارتفاعك فوق مطارات عواصمها.

وفجأة بينما كان كل الركاب يغطون في النوم وفي لحظة سكون غشى الطائرة ارتفع صوت شخير مزعج من الكرسي الخلفي لي مباشرة لراكب صيني كما يبدو وعلى وجهه كمام يصاحب ذلك كحة متقطعة وهدوء يسير لذات الشخص ثم شخير دون توقف، لتفزّ معه السيدة البولندية الينا المنهمكة في القراءة، وبوجه محمر خجول ابتسمت وهي تلتفت ناحيتي: "يبدو أنه متعب جداً".. فأجبتها ليس المشكلة في تعبه، ولكنني أخاف أن يكون مريضا ويمرضنا معه!

فأجابت: يا للهول، لنضحك سوياً.

لحظات وإذا بالسيدة البولندية تخرج رواية انجليزية عالمية لا يحضرني اسمها من حقيبتها وتقرأ، فيما جميع من في الطائرة البعض نائم وبعض آخر يتكلم وبعض آخر يأكل.

وبينما قدمت المضيفة تستفسرنا عن رغبتنا بالأكل اعتذرت آخذاً ماءً فقط، فيما السيدة مواصلة القراءة ويبدو أنها لم تسمع المضيفة وهي تحدثها، فقلت لها هل تريدين شيئا لتأكلي؟ التفتت: شكراً، لست جائعة.

لتضع بعدها الرواية في الحقيبة وبدأت تحدثني وتسأل عن بلدي وإقامتي في ماليزيا ومستواي الدراسي.

وبعد أن عرفت أنني يمني فأجأتني بمعرفتها عن أوضاع الحرب الذي تعيشه اليمن.

أخبرتني السيدة البولندية أن ثمة صراعا إقليميا في اليمن ضحاياه الشعب اليمني، حتى بدأت أفكر انها قد تكون بروفيسوره في العلوم السياسية.

وأثناء استرسالها أخبرتني عن حضارة سبأ وعرش بلقيس، والملكة "شيبا" التي ارتبطت بالنبي سليمان وتذكر ذلك بالارقام والتواريخ، عدت لأحدث نفسي أنها قد تكوم استاذة تاريخ.

وعندما سألتها عن الرواية التي كانت تقرأها اخبرتني سمات الرواية الحديثة وأبرز الروائيين العالميين وبمن تتأثر ولمن تقرأ، فعدت لأفكر انها ربما استاذة في الأدب الانجليزي.

ذكرت ألينا أنها ذاهبة لزيارة ابنتها إلى استراليا، وأخرجت الهاتف لتريني صورتها الساحرة التي قالت إنها في ال22 من عمرها وأنها ارسلتها هناك للدراسة.

سألتها أن ثمة جامعات قوية في بولندا ولماذا لم تدرِّسها هناك؟!

قالت إنه يهمها إرسال ابنتها بعيداً وفي دولة تعليمها أقوى ولأجل أن تدع ابنتها تعتمد على نفسها وتتكيف مع ظروف الغربة والمعاناة وطلب العلم، حتى يمكنها ذلك من تفتح عقلها وأن تخدم من حولها وتكون شيئا ما في المستقبل.

ذكرت السيدة البولندية أنها وصلت كمبوديا عبر دبي قادمة من بلادها واختارت كمبوديا للإقامة ترانزيت ثلاثة أيام فقط.

سألتني عن خدمة الفنادق وصدمت أنها دفعت ثمن الليلة الواحدة في فندق بكمبوديا بحدود 600 دولار، فيما أنا عشت بفندق عادي بسعر يعادل 6 دولارات في اليوم الواحد، ومعروف عن الأسعار الرخيصة جدا للفنادق في "بنوم بنة".

قالت لي إنها ستنتظر في مطار كوالالمبور عشر ساعات ترانزيت، ومن خلال بنيتها وكلامها تبدو قوية ومليئة بالثقة بنفسها.

أخبرتها عن إعجابي بالريف البولندي وجمال الطبيعة هناك، فدعتني إلى زيارة بلدها.

قالت "بلادكم اليمن جميلة بكل تفاصيلها، لكنكم تدمرونها بالحرب".

وعادت ألينا لتسألني:

هل توقعت يوما بأن مواطناً ما يكون عدو بلده.

هكذا هم اليمنيون يختلفون فيما بينهم ليدمروا بلدهم.

نزل علي حديثها كالصاعقة، وفي كل لحظة ما يزال يتردد في ذهني: "اليمني عدو بلده"..

رمت بعبارتها وغادرت، لكن هذه الكلمات لن تغادر ذهني ما حييت، وأنّى لسيدة في بلدٍ بعيد عن اليمن ان تكون مُطّلعة على أخبار اليمن وتتكلم عما يدور فيه إلى هذا الحد وكأنها تعيش وسطه.

لقد شخصت الينا العلة وذهبت..

والكارثة أن من هو سبب العلة لا يعي ذلك مطلقاً.